فأنتم أيها الناس أمة من تلك الأمم ، فكيف اختلفتم وأشركتم غيره في ألوهيته وربوبيته ، مع ما ركب فيكم من العقول (١) والتمييز بين ما هو حكمة وما (٢) هو سفه ، وقد فضلكم على غيرها من الأمم في خلق ما خلق في السموات وما في الأرض لكم ، وسخر لكم ذلك كله ما لم يفعل ذلك بغيرنا من الأمم؟!
ومنهم من قال من أهل التأويل في قوله : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) : زمن نوح : نوح ومن دخل معه في السفينة كانوا على دين واحد ، فاختلفوا بعد ما خرجوا (٣).
ومنهم من قال : آدم فاختلف أولاده (٤).
ومنهم من قال : زمن إبراهيم (٥). لكنا لا نشهد كيف كان الأمر ، فلا نعلم إلا بخبر عن الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) قيل : لو لا أن من حكمه ألا يعذب هذه الأمة عند تكذيبهم الآيات إذا سألوها وإلا لأهلكها كما أهلك الأمم الخالية بتكذيبهم الآيات عند السؤال ، ولكن أخر تعذيب هذه الأمة إلى يوم القيامة.
والثاني : سبقت من ربك ألا يستأصل هذه الأمة عند تكذيبهم الرسل والعناد لهم أحد التأويلين في ترك استئصالهم ، والآخر في تأخير العذاب عنهم إلى وقت.
وقوله : (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ببيان يضطرهم إلى القبول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) : جوابه ـ والله أعلم ـ ما ذكر : لو لا كلمة سبقت من ربك ألا يعذب هذه الأمة بتكذيبهم الآيات عند سؤالها ، وإلا لعذبتم أنتم كما عذبت الأمم الخالية بتكذيبهم الآيات عند السؤال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) : أي : إنكم تعلمون أن علم الغيب لله ، وقد أنزل من الآيات ما يبين ويدل على رسالتي.
__________________
(١) في أ : القول.
(٢) في ب : وبين ما.
(٣) ذكره أبو حيان في البحر (٥ / ١٣٩) ونسبه للضحاك ، وكذا ابن عادل في اللباب (١٠ / ٢٨٧).
(٤) أخرجه بمعناه ابن جرير (٦ / ٥٤٣) (١٧٦٠٤ و ١٧٦٠٥ و ١٧٦٠٦) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٤٢) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد ، ولابن أبي حاتم عن السدى.
(٥) ذكره أبو حيان في البحر (٥ / ١٣٩) ونسبه لابن عباس ، وكذا ابن عادل في اللباب (١٠ / ٢٨٧).