الملك قد علم أنهن راودن يوسف عن نفسه ؛ لأنه قال : (ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَ) ولم يقل لهن : أراودتن أم لا؟ ولكنه قطع القول فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ).
بدأ بهن حتى أقررن أنه كان بريئا ما قرف به واتهم ، ثم أقرت امرأة الملك بعد ذلك لما أقر النسوة ؛ فقالت :
(الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ).
قيل : الآن تبين الحق وتحقق (١).
(أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) في قوله : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) [يوسف : ٢٦].
وقوله : (ما خَطْبُكُنَ) ما شأنكن وأمركن ، والخطب : الشأن ، وراودتن : قد ذكرناه.
وقوله : (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ).
قيل : معاذ الله (٢) ، وقيل : هي كلمة تنزيه وتبرئة من القبيح.
وقوله : (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ).
قال أهل التأويل : الزنا ، ولكن قوله : (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) هو السوء الذي قالت ، (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) [يوسف : ٢٥] هو ذلك السوء قالت إنه أراده بها قلن ما علمنا منه ذلك.
وقوله : (حَصْحَصَ الْحَقُ).
قد ذكرناه أنه تبين وتحقق (٣).
وفي قوله : (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ).
دلالة أن لم يكن منه ما قاله [أهل](٤) التأويل من حلّ السراويل وغيره ؛ لأنه لو كان منه ذلك لكنّ (٥) قد علمن منه السوء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ).
قوله : ذلك الرد الذي كان منه وترك الإجابة لرسول الملك ؛ حيث قال : (ائْتُونِي بِهِ)
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٣٤ ، ٢٣٥) عن كل من : ابن عباس (١٩٤١٤) ، ومجاهد (١٩٤١٥ ، ١٩٤١٨ ، ١٩٤٢٠) ، وقتادة (١٩٤١٩ ، ١٩٤٢١) ، والسدي (١٩٤٢٢ ، ١٩٤٢٣) ، والضحاك (١٩٤٢٤) ، وابن إسحاق (١٩٤٢٥).
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٤٢) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ، ولابن جرير عن مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد والسدي مثله.
(٢) تقدم.
(٣) في أ : الحق.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : لكان.