ليعلم الملك أني لم أخنه بالغيب ؛ في أهله إذا غاب عني (١) ؛ ردّا لقولها : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) وتصديقا لقوله ؛ حيث قال : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) [يوسف : ٢٦].
وقال بعض أهل التأويل : ذلك ليعلم الله أني لم أخنه ؛ يعني الزوج بالغيب (٢) ، لكن هذا بعيد ، إنه قد علم يوسف أن الله قد علم أنه لم يخنه بالغيب.
وقول أهل التأويل لما قال يوسف : (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) قال له الملك : ولا حين هممت ما هممت؟ فقال : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) : هذا مما لا نعلمه (٣).
وقد ذكرنا التأويل في قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) [يوسف : ٢٤] ما يحل ويسع أن يتكلم به ، وفساد تأويل أهل التأويل من الوجوه التي ذكرنا.
__________________
(١) دلت هذه الآية على طهارة يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من الذنب من وجوه :
الأول : أن الملك لما أرسل إلى يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وطلبه ، فلو كان يوسف متّهما بفعل قبيح ، وقد كان صدر منه ذنب ، وفحاش ـ لاستحال بحسب العرف والعادة ، أن يطلب من الملك أن يفحص عن تلك الواقعة ، وكان ذلك سعيا منه في فضيحة نفسه ، وفي حمل الأعداء على أن يبالغوا في إظهار عيوبه.
والثاني : أن النسوة شهدن في المرة الأولى بطهارته ، ونزاهته (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) ، وفي المرة الثانية : (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ).
والثالث : أن امرأة العزيز اعترفت في المرة الأولى بطهارته ، حيث قالت : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) ، وفي المرأة الثانية قولها : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) ، وهذا إشارة إلى أنه صادق في قوله : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي).
والرابع : قول يوسف (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ).
قال ابن الخطيب : والحشويّة يذكرون أنه لما قال هذا الكلام ، قال جبريل ـ عليهالسلام ـ : ولا حين هممت. وهذا من روايتهم الخبيثة ، وما صحت هذه الرواية في كتاب معتمد ، بل هم يلحقونها بهذا الموضع سعيا منهم في تحريف ظاهر القرآن.
والخامس : قوله : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) ، يقتضي أن الخائن لا بد أن يفتضح ؛ فلو كان خائنا لوجب أن يفتضح ، ولمّا خلصه الله من هذه الورطة ، دل ذلك على أنه لم يكن من الخائنين.
ينظر : اللباب (١١ / ١٣٠ ، ١٣١).
(٢) أخرجه بمعناه ابن جرير (٧ / ٢٣٥ ، ٢٣٦) عن كل من : مجاهد (١٩٤٣٠) ، وأبي صالح (١٩٤٣٣) ، والضحاك (١٩٤٣٤).
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٤٣) وزاد نسبته لابن عبيد وابن المنذر عن مجاهد ، ولابن المنذر وأبي الشيخ عن أبي صالح.
(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٣٧ ، ٢٣٩) عن كل من : ابن عباس (١٩٤٣٥ ، ١٩٤٣٦ ، ١٩٤٣٧) ، وسعيد ابن جبير (١٩٤٣٨ ، ١٩٤٤٠ ، ١٩٤٤٣) ، وأبي الهذيل (١٩٤٤١ ، ١٩٤٤٢) ، والحسن (١٩٤٤٤ ، ١٩٤٤٥) ، وأبي صالح (١٩٤٤٦ ، ١٩٤٤٧) ، وقتادة (١٩٤٤٨ ، ١٩٤٤٩) ، وعكرمة (١٩٤٥٠).
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٤٣) وزاد نسبته لابن المنذر وأبي الشيخ عن أبي صالح ، ولابن المنذر عن الحسن وابن جبير ، ولابن المنذر وعبد بن حميد عن مجاهد ، ولابن أبي حاتم عن قتادة.