وقوله ـ عزوجل ـ : (سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ).
هذا الكلام في الظاهر ليس هو جواب قول يوسف ؛ حيث قال : (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) وجوابه أن يقولوا له : نأتي به أو لا نأتي ، فأما أن يجعل قولهم : (سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) جوابا له ؛ فلا يحتمل مع ما أن في قلوبهم سنراود عنه اضطراب ؛ يملكون أو لا يملكون.
قولهم : (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ).
على القطع ؛ لكن يشبه أن يخرج على وجهين :
أحدهما : على الإضمار ؛ سنراود عنه أباه فإن أذن له وإنا لفاعلون ذلك.
أو على التقديم والتأخير يكون جواب قوله : (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) في قولهم : (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) كأنه لما قال لهم يوسف : ائتوني بأخ لكم من أبيكم قالوا إنا لفاعلون ، ثم قالوا فيما بينهم : سنراود عنه أباه.
على هذين الوجهين يشبه أن يخرج والله أعلم (١).
وقوله : (سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ).
قال أبو عوسجة : المراودة : الممارسة ، وهي شبه المخادعة ، وهي المعالجة. وقيل : سنراود : أي سنجهد وسنطلب (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ لِفِتْيانِهِ) لفتيته.
الفتية : الخدم ؛ والفتيان : المماليك.
(اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ).
قيل : اجعلوا دراهمهم في أوعيتهم (٣) ، فيه دلالة أن الهبة قد تصح ـ وإن لم يصرح بها ـ إذا وقع في يدى الموهوب له وقبضه ـ وإن لم يعلم هو بذلك ـ وقتما جعل له ؛ لأن يوسف جعل بضاعتهم في رحالهم ؛ هبة لهم منه ؛ وهم لم يعلموا بذلك ، وهو وقتما جعل [ذلك لهم](٤) ملك ليوسف ؛ ولهذا قال أصحابنا : إن من وضع ماله في طريق من طرق المسلمين ؛ ليكون ذلك ملكا لمن رفعه كان ما فعل. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
__________________
(١) ثبت في حاشية ب : ويمكن أن نقول : معنى وَإِنَّا لَفاعِلُونَ ، أي : المراودة ، كأنهم قالوا : لا بد أن نراوده ونفعل المراودة ، فإن أذن له جئنا به ، وإلا فلا ؛ فلا حاجة إلى ما ذكره ، والله أعلم. كاتبه.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٤٤) (١٩٤٧٦) عن ابن إسحاق ، وكذا الرازي (١٨ / ١٣٤).
(٣) ذكره بمثله البغوي (٢ / ٤٣٥).
(٤) في ب : لهم ذلك.