(بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
هذا يحتمل وجهين :
يحتمل : لا تبتئس بما كان عمل إخوتك ؛ كأنه لما دعاه فضمه إلى نفسه ـ شكا إليه من إخوته ؛ فقال عند ذلك : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
ويحتمل : [فلا](١) تبتئس بما يعمل بك هؤلاء ؛ أي : خدمه وعماله ، كأنه أخبره بما كان يريد أن يكيد بهم ؛ من جعل الصاع في رحله ؛ فقال : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) بك ؛ لأنه لا يجوز أن يجعل أخاه متهما ، يقرف به من غير أن ظهر منه شيء ؛ وقد أخبره (٢) أنه أخوه. والله أعلم.
دلّ أنه أراد أن يعلمه ما يريد أن يكيد بهم ؛ ليكون هو على علم من ذلك. [وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) هو ما يهيأ للخروج ؛ ولذلك يقال لمتاع المرأة : جهاز](٣) وقوله : ـ عزوجل ـ : (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ).
السقاية : قيل : هي الإناء الذي كان يشرب فيه الملك (٤) ، وقيل : هو الصاع الذي كان يكال به الطعام ؛ ولكن لا نعلم ما كان ذلك سوى أنا نعلم أنها كانت ذات قيمة وثمن ؛ ألا ترى أن ذلك الرسول قال : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) فلولا أنها كانت ذات قيمة وثمن وإلا لم يعط لمن جاء به حمل بعير الطعام ، وكان قيمة الطعام عندهم في ذلك الوقت ما كان.
(ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ).
أي : نادى مناد : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ).
لا يحتمل أن يكون يوسف يأمر رسوله أن يقول لهم : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) ؛ وقد علم أنهم ليسوا بسارقين ، ولكن قال لهم ذلك المنادي الذي ناداه ـ والله أعلم ـ : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) من نفسه ، وهو من بعض من يتولى كيل الطعام على الناس ، وأمثاله لا يبالون الكذب [أو قال](٥) لهم ذلك قوم كانوا بحضرتهم : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ). أو أن يكون على
__________________
(١) في ب : قوله فلا.
(٢) في ب : أخبر.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٥٣) (١٩٥٢١) وعن قتادة ، و (١٩٥٢٢) عن ابن عباس ، و (١٩٥٢٤) عن مجاهد.
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.
(٥) في أ : وقال.