ويحتمل قوله : (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أي : أسرع لجزاء المكر منكم ، أو أسرع أخذا من حيث لا تعلمون أنتم.
وقال بعض أهل اللغة : المكر بالآيات هو الرد والجحود لها.
وقال بعضهم : استهزاء بها ؛ فهو واحد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) : اختلف فيه :
قال : بعضهم : قوله : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) أي : هو الذي سخر لكم ما به تسيرون في البر (١) والبحر ، وهو الدواب والسفن التي يقطع بها البراري والبحار ، وهو كقوله : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) [الزخرف : ١٣].
وقيل : قوله : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي : سخر لكم البر والبحر وهما مكانا الخوف والهلاك ، أي : حفظكم فيهما حتى قضيتم فيهما حوائجكم ، وليس في وسع الخلق حفظ البرارى والبحار عما فيهما من الأهوال ، فتولى الله بفضله حفظ السائرين فيهما ، حتى قضوا فيهما حوائجهم ؛ وهو كقوله : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ...) [النحل : ١٤] إلى آخر ما ذكر من أنواع المنافع ، فلولا أن الله سخر لهم ذلك وحفظهم فيه ، وإلا لم يكن في وسعهم القيام بذلك وحفظ أنفسهم فيه من الأهوال التي فيه ، يذكرهم نعمه ومننه التي أنعمها عليهم ليوجهوا شكر نعمه إليه.
ثم قوله : (يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) يحتمل يخلق وينشئ سيركم في البر والبحر ؛ وهو كقوله : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ ...) الآية [سبأ : ١٨] ، والتقدير هو التخليق والمقدر المخلوق ، ففيه دلالة خلق أفعال الخلق ؛ لأن السير هو فعل الخلق أضافه إلى نفسه ؛ دل أنه منشئ فعلهم ، والله أعلم.
ويشبه أن يكون قوله : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) لم [يرد](٢) به البر والبحر نفسه ، ولكنه أراد تذكير نعمه عليهم في كل حال وكل وقت ليشكروا له في كل حال ؛ وهو كقوله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [الروم : ٤١] لم يرد به البر والبحر أنفسهما ، ولكن أراد المكان الذي فيه المياه والمكان الذي لا مياه فيه ، أي : ظهر الفساد في الأماكن كلها ؛ فعلى ذلك الأول يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم في الأماكن كلها والأحوال جميعا ، والله أعلم.
__________________
(١) في أ : البحر.
(٢) سقط في ب.