(وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) [الأنعام : ٨٠] أي : لا أخاف ما تشركون به ؛ إلا أن يكون مني ما أستوجب ذلك بزلة ؛ فيشاء الله ذلك مني.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ).
الدرجات : هن الفضائل ؛ يرفع بعضهم فوق بعض بالنبوة والعلم ، وفي كل شيء.
(وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).
ما من عالم وإن لطف علمه وكثر إلا قد يكون فوقه من هو ألطف علما منه وأكثر وأعلم في شيء أو يكون قوله : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) وهو الله تعالى ؛ فوق كل ذى علم ؛ يعلمهم العلم ، والله أعلم.
من يقول : إنه عالم إلا بعلم يحتج بظاهر هذه الآية ؛ حيث قال : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) أثبت لغيره العلم ولم يذكر لنفسه ؛ بل قال : (عَلِيمٌ) ؛ لكنه إذا قال : (عَلِيمٌ) أثبت العلم ولأنه إذا قال : وفوق كل العلماء عليم يكون كذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ).
قال بعض أهل التأويل : كانت سرقته : أنه كان صنم من ذهب لجده أبي أمّه يعبده ؛ فسرق ذلك منه لئلا يعبد دون الله (١) ، ولكنا لا نعلم ذلك ؛ ونعلم أنهم كذبوا في قولهم (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) وأرادوا أن يتبرءوا منه ، وينفوا ذلك عن أنفسهم ، ليعلم أنه ليس منهم.
فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) عند الله.
قيل : إن يوسف أسر هذه الكلمة (٢) في نفسه ؛ لم يظهرها لهم أو أسر ما اتهموه بالسرقة.
وجائز أن يكون قولهم : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) خاطبوا به أخاه بنيامين دون يوسف : [إن سرقت](٣) فقد سرق أخ له من قبل ؛ يقولون فيما بينهم.
وقد ذكر في بعض الحروف (٤) : إن يسرق فقد سرق أخ لهم من قبل بالتشديد فإن
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٦٥) عن كل من : سعيد بن جبير (١٩٦٠٥) ، وقتادة (١٩٦٠٦ ، ١٩٦٠٧) ، وابن جريج (١٩٦٠٨).
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٣ ـ ٥٤) وعزاه لابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا ، وزاد نسبته لأبي الشيخ عن ابن جريج ، لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم بمثله عن زيد بن أسلم.
(٢) في أ : هذا القول.
(٣) في ب : أسرقت.
(٤) الجمهور على (سَرَقَ) مخففا مبنيا للفاعل ، وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي ، وابن أبي شريح عن الكسائي ، والوليد بن حسان عن يعقوب في آخرين : (سَرَقَ) مشددا مبنيّا للمفعول ، أي : نسب إلى السرقة ؛ لأنه ورد في التفسير أن عمّته ربّته ، فأخذه أبوه منها ، فشدت في وسطه منطقة كانوا ـ