وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ).
دل هذا أنه قد كان منه أيضا التفتيش والطلب في وعاء أخيه ؛ على ما كان في أوعيتهم [لا يستخرجها](١) على غير تفتيش.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ).
هذا يحتمل وجهين :
يحتمل (كَذلِكَ كِدْنا) أي علمنا يوسف ـ من أول الأمر إلى آخره ـ ما يكيد ويحتال في إمساك أخيه عنده ومنعه عنهم ؛ لأن يخلو لهم وجه أبيهم جزاء ما طلبوا هم : أن يخلو لهم وجه أبيهم ؛ بتغييب يوسف عن أبيه ؛ لأن أباهم قال : (حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) [يوسف : ٦٦] فلما بلغه ذلك الخبر ـ تولى عنهم ؛ وهو قوله : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ ...) الآية [يوسف : ٨٤] ؛ هذا ـ والله أعلم ـ جزاء كيدهم الذي كادوا بيوسف ليخلو لهم وجه أبيهم ؛ ليتولى عنهم أبوهم ، هذا يشبه أن يكون.
والثاني : (كِدْنا لِيُوسُفَ) أي : علمناه أن كيف يفتش أوعيتهم لئلا يشعروهم أنه عن علم استخرجها من وعاء أخيه ؛ لا عن جهل وظن ، فعلمه البداية في التفتيش بأوعيتهم ؛ لئلا يقع عندهم أنه عن علم ويقين يأخذه.
يشبه ـ والله أعلم ـ أن يخرج قوله : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) على هذين الوجهين. أو (كِدْنا لِيُوسُفَ) أي : أمرنا يوسف بالكيد بهم ؛ جزاء ما عملوا بمكانه لما اهتموا بإمساك أخيهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ).
أي في حكم الملك ، ذكر أن حكم إخوة يوسف وقضاءهم فيهم : أن من سرق يكون عبدا بسرقته للمسروق منه ، ويستعبد بسرقته ، ومن حكم الملك : أن يغرم السارق ضعفي ما سرق ؛ ويضرب ويؤدب ؛ ثم يخلى عنه ، ولا نعلم ما حكم الملك في السرقة ، سوى أنه أخبر أن ليس له أخذ أخيه في دين الملك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك ، أو يجعل له حق الأخذ وحبسه ؛ وإن لم يكن ذلك في حكمه.
أو أن يكون قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) على ما كان من إبراهيم : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) الآية [الأنعام : ٨٠] وكان الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ يذكرون الثنيا على حقيقة المشيئة ، أو يقول : إلا أن يكون في علم الله مني زلة ؛ فأستوجب عند ذلك الكون في دين ذلك الملك ؛ فيشاء ما علم مني ، وكذلك قول إبراهيم حيث قال :
__________________
(١) في ب : لم يخرجها.