والثالث : أنكم تروننا صوّامين قوامين ؛ ومن هذا فعله ورأيه فإنه لا يتهم بالسرقة. أو أن يكون قوله : (لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ) لما رأوهم دخلوا من أبواب متفرقة ، ولو كانوا سراقا لدخلوا مجموعين ؛ لأن عادة السّراق الاجتماع لا التفرق.
ثم قالوا : (فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ).
أي : إن كان فيكم من يكذب ويظهر ذلك منه ؛ فما جزاؤه؟.
(قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ).
هذا يحتمل وجهين :
يحتمل قوله : (فَهُوَ جَزاؤُهُ) أي يصير رقيقا مملوكا بها له ، أو يصير محبوسا بها عنده. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ).
ظاهر هذا الكلام : أن يكون يوسف هو الذي فتش أوعيتهم ، وطلب ذلك فيها ؛ حيث نسب ذلك إليه بقوله : (قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ).
لكنه نسب إليه ؛ لمّا بأمره فتّش ؛ إذ الملوك لا يتولون (١) ذلك بأنفسهم وفيه أنه قد فصل بينهم وبين بنيامين ؛ حيث سمّى هذا أخاه ، ولم يسم أولئك ؛ بقوله : (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) ، وهو يخرج على وجهين :
أحدهما : أنه قد ذكر لهذا أنه أخوه ؛ حيث قال له : (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) [يوسف : ٦٩] ؛ ولم يذكر لأولئك فسمى هذا أخا له ، ونسب إليه بالأخوة ؛ لما كان ذكر له ، ولم يسم أولئك ؛ لما لم يذكر لهم أنه أخوهم.
والثاني : أنه لم يكن لهذا ـ أعني بنيامين لمكان يوسف ـ سوء صنيع ، ولا شر ، بل هو على الأخوة والصداقة التي كانت بينه وبينه. وأمّا أولئك ـ أعني غيره من الإخوة ـ فقد كان منهم إليه ما كان من سوء صنيعهم ، وقبح فعالهم ؛ فيخرج ذلك مخرج التبرى من الإخوة بسوء ما كان منهم إليه ؛ وهو [كقوله لنوح](٢) ـ عليهالسلام ـ حين قال : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) نفى أن يكون من أهله ؛ بسوء عمله وفعله ؛ غير صالح.
فعلى ذلك الأول يشبه أن يكون على هذا. والله أعلم.
__________________
(١) في أ : يأتون.
(٢) في ب : كقول نوح.