وأما أهل التأويل الأول يقولون : إن قوله : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ) ليس على الأمر ؛ ولكن إذا رجعتم إلى أبيكم ؛ فقولوا : إن ابنك سرق وكذلك يخرج قوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) ليس على الأمر ؛ ولكن لو سألت أهل القرية وأهل العير ؛ لأخبروك أنه كما قلنا ؛ فعلى ذلك قوله : (ارْجِعُوا) ليس على الأمر ؛ ولكن لو رجعتم إليه ؛ فقولوا كذا.
وقوله عزوجل ـ : (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ).
أي : من قبل ما ضيعتم أمر أبيكم في يوسف ؛ أو ضيعتم أمر الله ووعده في يوسف.
(فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي).
[هذا يحتمل وجهين : يحتمل حتى يأذن لي أبي بالرجوع إليه ؛ إذا ظهر عنده عذرنا وصدقنا في أمر ابنه أو يأذن لي أبي](١) بالمنازعة في القتال مع الملك حتى أستنقذ أخي وأستخلصه منه.
(أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) في الرجوع أيضا أو في القتال معه.
(وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) أو يحكم الله لي بإظهار عذرنا وصدقنا عند أبينا.
(وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) في إظهار العذر ؛ لأنه إذا حكم بإظهار العذر ظهر ذلك في الخلق جميعا ، ولا كذلك حكم غيره ؛ لأن كل من يحكم بحكم ؛ يجوز إنما يحكم بحكم ؛ هو حكم الله ؛ فهو خير الحاكمين وكذلك قوله : (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف : ٦٤] لأن (٢) من رحم من الخلق ؛ إنما يرحم برحمته ؛ فهو أرحم الراحمين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ).
يحتمل على الأمر ؛ على ما هو [في](٣) الظاهر. ويحتمل ما ذكرنا ؛ أي : لو رجعتم إليه ؛ فقولوا : يا أبانا إن ابنك سرق يشبه أن يكون هذا منه تعريضا في التخطئة ؛ على ما كان يؤثره على غيره من الأولاد ؛ أي الذي كنت تؤثره علينا بالمحبة وميل القلب إليه ـ قد سرق ، ويشبه أن يكون ليس على التعريض ؛ ولكن على الإخبار ؛ على ما ظهر عندهم من ظاهر الأمر.
(وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) بما أخرج المتاع من وعائه.
(وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ).
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : لأنه.
(٣) سقط في ب.