ذلك ؛ لأنهم لما اتّهموا جميعا بالسرقة ؛ فقيل : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) [يوسف : ٧٠] قالوا : (لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) [يوسف : ٧٣] قطعوا فيه القول ؛ أنهم لم يكونوا سارقين ، وهو كان فيهم ؛ فكيف قطعتم فيه القول بالسرقة (إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) ؛ ولكن سولت لكم أنفسكم أمرا من البغض والعداوة ؛ من الإيثار له وليوسف عليهم ؛ والميل إليهما دونهم ؛ حيث قالوا : (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) [يوسف : ٨] والله أعلم.
فسولت لكم أنفسكم ببعضكم وعداوتكم حتى تركتم التفحص عن حاله وأمره ، أن لا كل من وجد في رحله شيء يكون هو واضع ذلك الشيء ؛ بل قد يضع غيره فيه ؛ على غير علم منه.
وقوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ).
قد ذكرناه.
وقوله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً).
قال أهل التأويل : قال : (يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) ؛ لأنهم صاروا جماعة ؛ يوسف وبنيامين أخوه ، ويهوذا وشمعون قد تخلفا لسبب حبس يوسف أخاه ، أو يوسف وأخوه (١).
وقال بعض أهل التأويل : إن جبريل أتى يعقوب على أحسن صورة ؛ فسأله عن يوسف ؛ أفي الأحياء أم في الأموات؟ فقال : بل هو في الأحياء ؛ فقال عند ذلك : (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً).
أو علم يعقوب أن يوسف في الأحياء ، وأنه غير هالك ؛ لما رأى يوسف ؛ من الرؤيا ؛ من سجود الكواكب والشمس والقمر له ؛ علم أنه في الأحياء ، وأنه لا يهلك إلا بعد خروج رؤياه ، وغير ذلك من الدلائل ، لكنه كان لا يعلم أين هو؟ فقال ذلك (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ).
أي أعرض عنهم وعاتبهم (٢) ؛ حين أخبروه أن ابنه سرق.
وقال : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ).
__________________
(١) أخرجه بمثله ابن جرير (٧ / ٢٧٤) (١٩٦٤٩) عن قتادة ، و (١٩٦٥٠) عن ابن إسحاق.
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٥ ، ٥٦) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة ، ولابن المنذر بمثله عن ابن جرير.
(٢) في أ : وعابهم.