وقال أبو عبيد (١) : الإزجاء في كلام العرب : الدفع والسّوق ؛ وهو كقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) [النور : ٤٣] أي يسوق ويدفع. وقال بعضهم : ناقصة (٢). وقال بعضهم : جاءوا بسمن وصوف. وقيل : جاءوا بصنوبر وحبة الخضراء (٣) ، وأمثال هذا.
قالوا : ويشبه أن يكون (مُزْجاةٍ) من التزجية : كما يقال : نزجي يوما بيوم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ).
قال بعضهم : أوف لنا الكيل بسعر الجياد ؛ وتأخذ النّفاية وتكيل لنا الطعام بسعر الجياد (٤).
لكن قوله : (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) أي سلم لنا الكيل تامّا ؛ لأن الإيفاء هو التسليم على الوفاء ؛ كقوله : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) [الأنعام : ١٥٢] ، وتصدق علينا بفضل ما بين الثمنين في الوزن. وقيل : ما بين الكيلين (٥).
وقال بعضهم : وتصدق علينا : أي زد لنا شيئا يكون ذلك صدقة لنا منك.
لكن يشبه على ما قالوا : وطلبوا منه الصدقة ؛ حط الثمن ؛ لأن الصدقة لا تحل للأنبياء ، ويجوز الحط لهم ، ويجوز حطّ من لا يجوز صدقته ؛ نحو العبد المأذون له في التجارة ؛ يجوز حطه ولا يجوز صدقته ، وكذلك نبي الله كان يجوز [له الشراء](٦) بدون
__________________
(١) ينظر : مجاز القرآن (١ / ٣١٧).
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٨٦ ، ٢٨٨) (١٩٧٥٦ ، ١٩٧٧٩) عن سعيد بن جبير ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٢) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن سعيد بن جبير.
(٣) أخرجه بمعناه ابن جرير (٧ / ٢٨٦ ، ٢٨٧) (١٩٧٥٧ ، ١٩٧٥٨ ، ١٩٧٦٤ ، ١٩٧٦٩) عن عبد الله بن الحارث ، (١٩٧٥٩) عن أبي صالح. وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٢) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن عبد الله بن الحارث ، ولابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن أبي صالح.
(٤) أخرجه بمثله ابن جرير (٧ / ٢٨٩) (١٩٧٨٨ ، ١٩٧٨٩) عن السدي ، وذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٤٤٦).
(٥) قال القرطبي : (استدل العلماء بهذه الآية الكريمة على أن أجرة الكيال على البائع ؛ لقولهم ليوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) فكان يوسف هو الذي يكيل ، وكذلك الوزان والعداد وغيرهم ؛ لأن الرجل إذا باع عدة من طعامه معلومة ، وأوجب العقد عليه ، وجب عليه أن يبرزها ، ويميز حق المشتري من حقه ، إلا إن كان المبيع فيه معينا صبرة ، أو ما ليس فيه حق موفيه ؛ فيخلى ما بينه وبينه ، وما جرى على المبيع فهو ضمان المبتاع ، وليس كذلك ما يتعلق به حق موفيه من كيل أو وزن ؛ ألا ترى : أنه لا يستحق البائع الثمن إلا بعد التوفية؟! وكذلك أجرة النقد على البائع أيضا ؛ لأن المبتاع الدافع لدراهمه يقول : إنها طيبة ، فأنت الذي تدعي الرداءة ، فانظر لنفسك ؛ ليقع له ؛ فكان الأجر عليه. وكذلك لا يجب أجرة القاطع على من يجب عليه القصاص ؛ لئلا يجب عليه أن يقطع يد نفسه ، ولا أن يمكن من ذلك طائعا ؛ ألا ترى أن فرضا عليه أن يفدي يده ، ويصالح عليه ، إذا طلب المقتص ذلك؟!
ينظر : اللباب (١١ / ١٩٩).
(٦) في ب : الشراء له.