يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (سَبِيلِي) هذه التي أنا عليها ،
ويحتمل : هذه سبيلي التي أدعوكم إلى الله.
(عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).
البصيرة : العلم والبيان والحجة النيرة ؛ أي هذه سبيلي التي أنا أدعوكم إليها ؛ إنما أدعوكم على بصيرة ؛ أي على علم وبيان وحجة قاطعة ؛ وبرهان نير ؛ ليس كسائر الأديان التي يدعى إليها على الهوى والشهوة بغير حجة ولا برهان ؛ (وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [أي : ومن اتبعني](١) ـ أيضا ـ فإنما يدعوكم أيضا على حجة وبرهان ؛ إذ من يجيبني ؛ فإنما يجيب على بصيرة وبيان وحجة.
(وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
قيل : كأن هذا صلة قوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) سبحان الله : تنزيها لما قالوا ؛ وتبرئة عما قالوا في الله بما لا يليق به.
(وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) في ألوهيته وربوبية غيره ؛ أو في عبادته. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ).
ذكر رجالا ـ والله أعلم ـ أي : لم نبعث رسولا من قبل إلا بشرا ؛ لم نبعث ملكا ولا جنّا ؛ فكيف أنكرتم رسالة محمد بأنه بشر ؛ ولم يروا رسولا من قبل ولا سمعوا إلا من البشر ؛ كقولهم : (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤] وكقوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) [الأنعام : ٩] هذا والله أعلم.
(إِلَّا رِجالاً) مثلك ؛ بشرا لا ملكا ولا جنّا ، أو ذكر رجالا ؛ لأنه لم يبعث امرأة رسولا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى).
أي : إنما أرسل الرسل جملة من أهل الأمصار والمدن ؛ لم يبعثوا من أهل البوادي وأهل البرارى والقرى ؛ إنما يريد الأمصار والبنيان ، وقال الله ـ تعالى ـ : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) [النحل : ١١٢] قيل : هي مكة (٢) ، جميع ما ذكر في القرآن من القرية والقرى ؛ يريد به الأمصار والمدن ؛ وإنما بعث الرسل والأنبياء من الأمصار ؛ ولم يبعثهم من البوادي ومن أهل البراري ـ لوجهين ـ والله أعلم ـ :
أحدهما : لأن لأهل الأمصار والمدن ؛ اختلاطا بأصناف الناس ؛ وامتزاجا بأنواع
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٦٥٥) عن كل من : ابن عباس (٢١٩٥٦) ، ومجاهد (٢١٩٥٧ ، ٢١٩٥٨) ، وقتادة (٢١٩٥٩ ، ٢١٩٦٠) ، وابن زيد (٢١٩٦١).
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٢٥١) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.