الخلق ، ويكون لهم تجارب (١) بالخلق ؛ فهم أعقل وأحلم وأبصر من أهل البادية والبرية ، إذ اختلاطهم وامتزاجهم إنما يكون بالماشية وأنواع البهائم ؛ لذلك بعثوا من الأمصار دون البادية.
وبعد فإن الرسل يكون لهم أسباب وأعلام تتقدم عن وقت الرسالة تحتاج إلى أن يظهر ذلك للخلق ؛ ليكون ذلك أسرع إلى الإجابة لهم ؛ وأدعى وأنفذ إلى القبول ، فإذا كانوا من أهل البوادي لا يظهر ذلك للخلق.
والثاني : أنه يراد من الرسالة إظهارها في الخلق ؛ في الآفاق والأطراف والأمصار ، والمدن هي الأمكنة (٢) التي ينتاب الناس إليها في التجارات وأنواع الحوائج من الآفاق والأطراف ؛ فيظهر ذلك فيها. وفي أهل الآفاق وأما أهل البوادي والبراري ؛ ليس يدخلها ولا ينقلب (٣) إليها ؛ إلا الشاذة من الناس ؛ ولا يقضى فيها الحوائج ؛ فلا يظهر في الخلق الرسالة وما يراد بها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
أي : ألم ينظروا ويتفكروا ؛ فيمن هلك من قبلهم من الأمم ؛ بتكذيبهم الرسل أن كيف كان عاقبتهم بالتكذيب في الدنيا ؛ ليمتنعوا عن تكذيب رسولهم.
وقوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ...) الآية ؛ يخرج على وجهين :
أحدهما : أي قد ساروا ونظروا كيف كان عاقبة المكذبين ؛ لكنهم عاندوا ولم يعتبروا.
والثاني : أي سيروا في الأرض ؛ وانظروا ، ولكن ليس على نفس السير في الأرض ؛ ولكن على السؤال عما نزل بأولئك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) الشّرك أو خلاف الله ورسوله.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) أن ذلك أفضل وخير ؛ [ممن لم يتق ذلك](٤). والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) و (كُذِبُوا) ؛ كلاهما لغتان ، قال بعضهم : أيس الرسل عن إيمان قومهم وتصديقهم الرسل (٥) ، ثم
__________________
(١) زاد في ب : بالعقل.
(٢) في أ : إلى مكة.
(٣) في أ : ينتاب.
(٤) في أ : من لم يتق بذلك.
(٥) أخرجه ابن جرير (٧ / ٣١٦ ، ٣١٧) (١٩٩٨٨ ، ١٩٩٨٩ ، ١٩٩٩٢ ، ١٩٩٩٣) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٧٧) وزاد نسبته لأبي عبيد وسعيد بن منصور والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس.