على هذا ؛ فيكون بالجبال ثباتها واستقرارها ؛ ومنعها عن الاضطراب والميلان.
أو ذكر هذا ليعلم لطفه وقدرته ؛ حيث أمسكها بشيء من طبعه التسفل والانحدار ، وهي في نفسها كذلك ؛ ليعلم قدرة الله ولطفه في كل شيء. والله أعلم بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَدَّ الْأَرْضَ).
أي : أنشأها ممدودة ؛ لا أنها كانت مجموعة في مكان فبسطها ؛ على ما ذكر من رفع السماء ونحوه.
(وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً).
جعل الله ـ عزوجل ـ الأشياء أكثرها بأسباب ؛ تعليما منه الخلق ؛ ليكون ذلك عليهم أهون ، وإن كان جعل الأشياء عليه بأسباب [وبغير أسباب سواء](١) ؛ إذ هو قادر بذاته ، يذكر هذا : إما بحق النعم التي أنعمها عليهم ؛ من مد الأرض وبسطها ؛ وإثباتها بالرواسي التي ذكر ؛ وجعل الأنهار فيها ليصلوا إلى الانتفاع بها ؛ ليتأدى بذلك شكره ، أو يذكر بحق الإخبار عن قدرته وسلطانه ؛ لأنه جعل الأرض بحيث لا يدخل فيها شيء ؛ فأخبر أنه أدخل فيها الجبال مع كثافتها وعظمتها ليعرفوا قدرته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْهاراً) أي : وجعل فيها أنهارا ؛ أخبر أنه (٢) مد الأرض وبسطها ؛ وجعلها مستقرة ثابتة ؛ ليستقروا (٣) عليها ، ثم أخبر أنه جعل فيها أنهارا ؛ لينتفعوا بها من جميع أنواع المنافع ، ثم أخبر أنه جعل فيها من كل الثمرات زوجين.
قال بعض أهل التأويل : (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أي : لونين.
وقال بعضهم (٤) : ذو طعمين ؛ لكن يكون منها ألوان أكثر من لونين (٥) : أحمر ، وأبيض ، وأسود ، وأصفر ، ونحوه ، وكذلك الطعم : يكون حامضا وحلوا ومرّا ومزّا ، إلا أن يقال : (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) : الطيب والخبيث ؛ فلا يكون ثالث ؛ وأما اللون ؛ فإنه يكون ذا ألوان وذا طعوم.
وقال بعضهم الذكر والأنثى ؛ فهذا يصح إذا أراد به الشجر ؛ فمنه ما يثمر ومنه ما لا يثمر ؛ فالذى يثمر : هو أنثى ، والذي لا يثمر : هو ذكر. وأما على غير هذا فإنه لا يصح.
وأصل الزوجين : هو اسم أشكال وأمثال واسم أضداد ؛ ففيه دليل نفي ذلك كله عن
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : أنها.
(٣) في أ : ليقروهم.
(٤) قاله البغوى بنحوه (٣ / ٦).
(٥) في أ : اثنين.