وقوله ـ عزوجل ـ : (يُفَصِّلُ الْآياتِ) يحتمل : يبين الحجج والبراهين.
ويحتمل : (يُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : آيات القرآن أنزلها بالتفاريق ؛ لا مجموعة.
(لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ).
هو ما ذكرنا أن فيما ذكر من الآيات والتدبير ؛ ورفع السماء بلا عمد ؛ دلالة البعث والإحياء بعد الموت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِلِقاءِ رَبِّكُمْ) هو كما ذكرنا في قوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٣] ومصيرهم وبروزهم ؛ وأمثاله. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) وقال في آية أخرى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٣٠] وقال في موضع آخر : (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية : ٢٠] وكله (١) واحد ، وقال : (الْأَرْضَ فِراشاً) [البقرة : ٢٢] و (مِهاداً) [النبأ : ٦].
يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم.
(مَدَّ الْأَرْضَ) أي : بسطها وجعل فيها رواسي ؛ ذكر أنها بسطت على الماء ؛ فكانت تكفو بأهلها وتضطرب ؛ كما تكفو السفينة ؛ فأرساها بالجبال الثّقال ؛ فاستقرت وثبتت. وذكر أنها مدت وبسطت على الهواء ؛ ثم أثبتها بما ذكر من الجبال ، ولكن لو [كان أنها](٢) ما ذكر ؛ لكان يجيء ألا يكون بالجبال ثباتها واستقرارها ؛ لأن الأرض والجبال من طبعها التسفل والانحدار في الماء والهواء ؛ وكلما زيد من ذلك النوع كان في التسفل والانحدار أكثر وأزيد ، فلا يكون بها الثبات والاستقرار ؛ بل إنما يكون الثبات والاستقرار بشيء من طبعه العلو والارتفاع ؛ فيمنع ذلك الشيء الذي من طبعه العلو عن التسفل والانحدار ؛ إلا أن يقال : إنها كانت لا تتسفل ولا تتسرب ؛ ولكن تضطرب وتميد بأهلها ؛ على ما ذكره ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) [الأنبياء : ٣١] فإن كان
__________________
ـ الوحي ، وبعث الرسل وتكليف العباد ، وفيه دليل عجيب على كمال القدرة والرحمة ؛ لأن هذا العالم من أعلى العرش إلى أطباق الثرى يحتوي على أجناس ، وأنواع لا يحيط بها إلا الله تعالى.
والدليل المذكور على تدبير كل واحد بوصفه في موضعه وطبيعته ، ومن المعلوم أن من اشتغل بتدبير شيء فإنه لا يمكنه تدبير شيء آخر ، فإنه لا يشغله شأن عن شأن ، وإذا تأمل العاقل في هذه الآية علم أنه ـ تعالى ـ يدبر عالم الأجسام ويدبر عالم الأرواح ، ويدبر الكبير كما يدبر الصغير ، ولا يشغله شأن عن شأن ، ولا يمنعه تدبير عن تدبير ، وذلك يدل على أنه ـ تعالى ـ في ذاته وصفاته وعلمه وقدرته غير مشابه للمخلوقات ، والممكنات.
ينظر : اللباب (١١ / ٢٣٩ ، ٢٤٠).
(١) في ب : والكل.
(٢) سقط في ب.