إعادة الشيء بعد فنائه ؛ إذ في الشاهد من قد يقدر على إعادة أشياء بعد فنائها ؛ ولا يقدر على رفع سقف ؛ ذي سعة وبعد ؛ بغير عمد. من ذا الوجه أمكن أن يحتج. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ).
لما لم يفهم من قوله : (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة : ١٨١] مدبر المكان ؛ وإن كان في الشاهد يفهم منه المكان ؛ إذا أضيف إلى المخلوق ـ لم يجز أن يفهم من استوائه [ما يفهم من استواء](١) الخلق.
وبعد فإن في الشاهد ؛ إذا قيل : فلان استولى أمر بلدة كذا ؛ أو استوى أمره ؛ لم يفهم منه [المكان ، بل فهم منه](٢) نفاذ الأمر والسلطان والمشيئة ؛ فعلى ذلك لم يجز أن يفهم من الله إذا أضيف إليه المكان.
وأصله : ما ذكرنا فيما تقدم أنه أخبر أنه ليس كمثله شيء ؛ فهو في كل شيء ؛ وكل وجه ؛ لا يشبه الخلق ؛ إذ الخلق ـ في الشاهد ـ لا يشبه بعضه بعضا من جميع الجهات ؛ إنما يشبه بعضهم بعضا بجهة ، ثم صاروا جميعا أشكالا وأشباها ؛ بتلك الجهة التي وقعت بينهم تشابه ؛ فإذا الله سبحانه وتعالى لما أخبر أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] دل أنه إنما نفى عنه الجهات التي [يقع بها](٣) التشابه والمثل ؛ فهو يخالف الخلق من جميع الوجوه.
وهذه مسألة مذكورة فيما تقدم : اختلف في العرش : قال بعضهم : العرش : هو الممتحنون بهم ، استوى تدبير إنشاء غيرهم من العالم ؛ لأنهم هم المقصودون في إنشاء ذلك كله.
وقال بعضهم : العرش : البعث به ؛ استوى وتم تدبير إنشاء الخلائق ؛ ما لو لا البعث يكون إنشاؤهم عبثا باطلا ؛ كقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥] جعل عدم الرجوع إليه إنشاء الخلق عبثا.
وقال بعضهم : العرش : هو الملك ؛ وبه تم ما ذكر ، وقيل : هو سرير الملك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) على ما في العقل أنه عن تدبير مدبر خرج ؛ وعن علم وحكمة وضع ؛ ليس على الجزاف بلا تدبير ولا علم (٤).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : بها يقع.
(٤) وحمل كل واحد من المفسرين التدبير على نوع آخر من أحوال العالم ، والأولى حمله على الكل ، فهو يدبرهم بالإيجاد ، والإعدام والإحياء ، والإماتة ، والاعتماد ، والانقياد ، ويدخل فيه إنزال ـ