اتخذتم من دونه هذه الأصنام آلهة أربابا وعبدتموها (١) أو كيف جعلتم من ليس هو رب السموات والأرض ـ أولى ممن (٢) أقررتم بالعبادة له أنه ربهما؟ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) إذ لا يملكون نفعا لأنفسهم ، ولا دفع الضر عنها ؛ فكيف يملكون نفع غيره أو دفع ضرّ عن غيره؟ فعرفهم أنهم (٣) لا يملكون ذلك ؛ وأن الله هو المالك ؛ فكيف تركتم عبادة من يملك ذلك ؛ وعبدتم من لا يملك؟.
فيخرج تأويله على وجهين :
أحدهما : يقول : لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا ، فكيف اتخذتم دون الله آلهة؟.
والثاني : لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا مع وجود الحاجة فيها ؛ فكيف تعبدون على رجاء النفع لكم بقولكم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨].
وقوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ).
أي : تعلمون أن الأصنام التي تعبدونها أنها عمي لا تبصر شيئا ؛ والله هو البصير ؛ فكيف تركتم عبادة من يبصر ؛ وعبدتم من لا يبصر؟ هل يستوى ذلك؟ أي : لا يستوي.
أو يقول [لهم](٤) : إنكم بعبادتكم الأصنام طمعتم شفاعتهم عند الله ؛ وهم عمي وأنتم بصراء ؛ فهل رأيتم أعمى يقود بصيرا في الشاهد؟ أو هل رأيتم من لا يبصر يكون دليلا لبصير؟ فإذا لم تروا ذلك ؛ فكيف طمعتم من الأصنام ذلك.
وقال أهل التأويل : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) : الأعمى : الكافر ، والبصير : المؤمن.
(أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ).
الظلمات : الكفر ، والنور : الإيمان. ووجه قولهم ؛ حيث شبهوا (٥) الكفر بالظلمة ، والإيمان بالنور ؛ لأن الظلمة تحجب وتستر كل شيء ، والنور يرفع ذلك الحجاب وذلك الستر ؛ فالإيمان له دلائل وحجج ؛ ترفع تلك الحجب والستر ؛ فينور له كل شىء. والكفر ليس له حجج ودلائل ترفع ذلك ؛ فهو ظلمة لم يضئ له شيئا ، والإيمان نور ؛ حيث أضاء له ، ونور كل شيء له بالدلائل والحجج التي ذكرنا. فصار الكافر كالأعمى لا يبصر شيئا ؛
__________________
(١) في أ : وعهدتموها.
(٢) في أ : من.
(٣) في أ : أنه.
(٤) سقط في ب.
(٥) في أ : شهدا.