أرسل قبلك كان أمر أن يقول ما ذكر ؛ كذلك أرسلناك إلى قومك رسولا ، وإن كانوا يكفرون بالرحمن ؛ فقل أنت ما قال أولئك الرسل : (رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ...) الآية ، لم تخل أمة عن رسول ؛ كقوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٤].
(لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يشبه أن يكون هذا صلة قوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) [الرعد : ٧] [يقول : أرسلناك لتتلو أنباء الرسل والأمم الذين كانوا من قبلك عليهم ؛ ليكون آية](١) لرسالتك ؛ ليعلموا أنك إنما علمت تلك الأنباء بالله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ).
يقول ـ والله أعلم ـ هم يكفرون بالرحمن ؛ وفي كل الخلائق آية توحيد الرحمن وألوهيته ؛ ولا في كل الخلائق آية لرسالتك ، وهم مع ذلك كله يكفرون بالرحمن ؛ فعلى ذلك يكفرون بآيات رسالتك.
وقال أبو بكر الأصم : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) هو صلة قوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) [الرعد : ٧] وكانوا هم أهل التعبد (٢) من الكبراء ؛ فقال : لو جئتهم (٣) بقرآن سيرت به الجبال ؛ أو قطعت به الأرض ؛ أو كلم به الموتى ، يقول : لو جئت بذلك كله كان أمرهم التكذيب والعناد ؛ وهو كقوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ ...) الآية [الأنعام : ١١١] وقوله : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ ...) الآية [الحجر : ١٤] يخبر ـ عزوجل ـ عن عنادهم (٤) أنهم لا يؤمنون بالآية ـ وإن عظمت ـ إلا أن يشاء الله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) كقوله : (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام : ١١١] أي : الأمر لله ؛ من شاء أن يؤمن فيؤمن ، ومن شاء ألا يؤمن فلا يؤمن البتة.
وقال بعضهم : [قوله :](٥)(وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) أي : يكفرون باسم الرحمن ؛ لأنهم قالوا : إن محمدا كان يدعونا إلى عبادة الله وتوحيده فالساعة يدعونا إلى عبادة الرحمن وألوهيته ؛ فذلك عبادة اثنين ؛ فقال : (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : دعائي إلى عبادة الرحمن وألوهيته وهو دعائي إلى عبادة الله ، وهو واحد ليس هو باثنين ولا عدد ؛ كقوله :
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : التعهد.
(٣) في أ : جئتم.
(٤) في أ : عبادهم.
(٥) سقط في أ.