لسانهم غير لسان هؤلاء ، وأخبارهم ليعلموا أنه إنما عرف تلك الأنباء والأخبار التي كانت بغير لسانهم بالله.
وقال بعضهم : أرسل بلسان قومه ؛ لئلا يكون لهم مقال كقوله : (لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ...) الآية [فصلت : ٤٤].
والثالث : أنه إذا كان بلسانهم يكون آلف وأقرب إلى القبول ؛ من إذا كان بغيره ؛ إذ كل ذي نوع وجنس يكون بجنسه ونوعه آلف من غير نوعه وجوهره ؛ [وهو](١) كقوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) [الأنعام : ٩] إذ ليس في وسع البشر رؤية الملك والنظر إليه على ما هو عليه ، فعلى ذلك : كل ذي لسان يكون بلسانه أفهم وأقرب للقبول وآلف من غيره (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ).
قال قائلون : ليكون أبين لهم وأفهم.
وقال قائلون : ليبين لهم فيفهموا قول رسولهم.
وقوله : (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
أي : يضل الله من آثر سبب الضلال ، ويهدي من آثر سبب الذي به يهتدي ؛ يهديه ذلك.
وقال قائلون : يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء : هذا حكم الله ؛ أن يضل المكذبين ويهدي المصدقين ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا بدءا [أنه](٣) يضل من آثر سبب الضلال ؛
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ومعنى الآية : وما أرسلنا من رسول إلا بلغة قومه.
فإن قيل : هذه الآية تدل على أن النبي المصطفى ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ إنما بعث للعرب خاصة فكيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله صلىاللهعليهوسلم «وبعثت إلى الناس عامة».
فالجواب : بعث إلى العرب بلسانهم والناس تبع لهم ، ثم بعث الرسل إلى الأطراف يدعوهم إلى الله ـ تعالى ـ ويترجمون لهم بألسنتهم.
وقيل : المراد من قومه أهل بلدته ، وليس المراد من قومه أهل دعوته ؛ بدليل عموم الدعوة في قوله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) وإلى الجن أيضا ؛ لأن التحدي ثابت لهم في قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ)[الإسراء : ٨٨].
قال القرطبي : (ولا حجة للعجم ، وغيرهم في هذه الآية ؛ لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ ترجمة يفهمها لزمته الحجة وقد قال الله ـ عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) ، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أرسل كل نبي إلى أمته بلسانها وأرسلني الله إلى كل أحمر وأسود من خلقه».
ينظر : اللباب (١١ / ٣٣٦).
(٣) سقط في أ.