وصرفتم شكر تلك النعم إلى غيره إن عذابي لشديد.
ويحتمل أن يكون كل نعمة يشكرها يزيد له من نوعها في الدنيا ؛ ويدوم ذلك له.
وفي قوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) لطف وفضل ؛ لأن الشكر هو المجازاة والمكافأة لما سبق ، والله تعالى لا يكافئ فيما أنعم ؛ لأنهم يستزيدون لأنفسهم الزيادة بالشكر الذي ذكر ؛ فهو ليس بشكر في الحقيقة ، لكن هذا [منه لطف](١) ذكره ؛ وهو كما قال الله تعالى : (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً ...) الآية [الحديد : ١٨] وقال : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ...) الآية [التوبة : ١١٠] فهذه الأنفس والأموال في الحقيقة لله ؛ ليست لهم ؛ فهم فيما يقرضون ، [يقرضون](٢) لأنفسهم ، وكذلك في الشراء يشترون لأنفسهم من مولاهم ، لكنه ذكر شراه [من أنفسهم](٣) ؛ لطفا منه وفضلا ؛ فعلى ذلك فيما ذكر من الشكر له يطلبون الزيادة لأنفسهم ؛ لطفا منه ، وإن كان الشكر في الظاهر موضوعه المكافأة لما سبق ، فهو فيما بين الرب والعباد ليس بمكافأة ؛ ولكن سبب الزيادة ، ولكن سمي شكرا ؛ لطفا منه وفضلا على ما ذكر التصدق قرضا ؛ والله أعلم ، ألا ترى أنه قال : (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) أي : غني [بذاته ، ليس يأمر ما يأمر لحاجة نفسه ، ولا لمنفعة له ، ولكن ما امتحنكم إنما امتحنكم لحاجة أنفسكم ، ولمنفعة أبدانكم. وقال بعضهم (٤) : قوله : (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) أي : غني](٥) عن عبادة خلقه ؛ حميد عند خلقه ؛ وهو ما ذكرنا أنه ليس يأمرهم فيما يأمر لمنفعة نفسه أو لحاجة نفسه ؛ ولكن لمنافع تحصل للخلق ولحوائج تبدو لهم ، وكذلك النهي عما ينهى ليس ينهى لخوف مضرّة تلحقه ؛ ولكن للضرر يلحقهم ولآفة تتوجه إليهم.
يخبر ـ عزوجل ـ عن غناه ؛ عما يأمر خلقه من طاعته وعبادته وتوجيه الشكر إليه.
والحميد : هو الذي لا يلحقه الذمّ في فعله ، يقول ـ والله أعلم ـ : إنهم ؛ [وإن كفروا](٦) وكان علم الله منهم أنهم يكفرون ؛ فعلمه بذلك لا يجعله في إنشائهم مذموما. والله أعلم.
__________________
(١) في ب : لطف منه.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) قاله على بن أبي طالب ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٥٨٩).
(٥) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٦) سقط في ب.