وقوله : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) أي : يومئذ يعلمون أنه كان لا يخفى عليه شيء ؛ وكأنهم لم يكونوا يعلمون ؛ قبل ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ).
قال قائلون (١) : قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا) : أي : دافعون عنا من عذاب الله ؛ إذ كنّا لكم أتباعا وأنتم متبوعين ؛ فادفعوا عنا ذلك. لكن هذا بعيد ؛ أن يطلبوا منهم دفع العذاب عنهم وقد رأوهم في العذاب ؛ فلو قدروا على دفع [ذلك](٢) عنهم ؛ لدفعوا أولا عن أنفسهم ؛ إلا أن يكون فيهم حيرة وعمى ؛ كما كان في الدنيا ، فللحيرة ما قالوا ؛ كقوله : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ...) [الإسراء : ٧٢].
والأشبه أنهم يطلبون عنهم رفع بعض العذاب عنهم ، وتحمل بعض لأن مئونة الأتباع في العرف يتحملها المتبوع ؛ فيطلبون منهم رفع شيء وتحمل بعض ما حل بهم ؛ وهو ما ذكر في آية أخرى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) [غافر : ٤٧] طلبوا منهم تحمل بعض ما حلّ بهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ).
قال بعض أهل العلم : إن الكفرة جميعا ـ أتباعهم ومتبوعهم ـ أعلم بهداية الله من المعتزلة ؛ لأنهم قالوا : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) علموا أن الله ـ عزوجل ـ لو هداهم لاهتدوا ؛ ويملك هدايتهم ، والمعتزلة يقولون : قد هدى الله جميع الكفرة وجميع الخلائق ؛ فلم يهتدوا ، وأنه لو أراد أن يهدي أحدا لم يملك ، والكفرة ـ حيث قالوا : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) رأوا وعلموا أن الله لو هداهم لاهتدوا ؛ لأنهم لو لم يهتدوا بهدايته إذا هداهم لم يعتذروا إلى أتباعهم (لَهَدَيْناكُمْ) ، [وكذلك](٣) قال إبليس : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) [الحجر : ٣٩] أضاف الإغواء إليه ؛ وهم (٤) يقولون : لا يغوي الله أحدا ، فإبليس [أعلم بهذا](٥) من المعتزلة.
وقولهم : (لَوْ هَدانَا اللهُ) أي : لو رزقنا الله الهدى وأكرمنا به لهديناكم ؛ ولكن لم يرزقنا ذلك ولم يكرمنا.
وقال أبو بكر الأصم : تأويل قولهم : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) : لو كان الذي كنا عليه
__________________
(١) قاله ابن جرير (٧ / ٤٣٢).
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : وهو.
(٥) في ب : بهذا أعلم.