هدى لهديناكم ؛ فهذا صرف ظاهر الآية عن وجهها بلا دليل ؛ فلو جاز له هذا جاز لغيره صرف جميع الآيات عن ظاهرها بلا دليل مع [أن](١) الأتباع ؛ قد علموا أن الذي كانوا عليه لم يكن هدى ؛ فلا معنى لهذا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ).
قال أهل التأويل (٢) : إنهم قالوا فيما بينهم : تعالوا حتى نجزع لعل الله يرحمنا ؛ فجزعوا حينا ؛ فلم يرحموا ، ثم قالوا : تعالوا نصبر لعل الله يرحمنا ؛ فلم يرحموا ؛ فعند ذلك قالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) لكن لا يحتمل أن يقولوا ذلك بعد الامتحان والاختبار ، لكن كأنهم قالوا ذلك بالذى سمعوا ؛ وهو قوله : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الطور : ١٦] ولما سمعوا ذلك عند ذلك قالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أي : منجى ومخلص ، لا يحتمل أن يقولوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) في أول أحوالهم وأمورهم ، ولكن يحتمل ما ذكر أهل التأويل أنهم يقولون ذلك عند الإياس.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ).
قال بعضهم (٣) : (قُضِيَ الْأَمْرُ) : أي : أدخل أهل الجنة الجنة ؛ وأهل النار النار ؛ يقوم إبليس خطيبا في النار ؛ فخطب كما ذكر.
وقال قائلون : (قُضِيَ الْأَمْرُ) أي : ميّز وبيّن أهل الجنة من أهل النار ؛ قبل أن يدخل أهل النار النار ؛ وأهل الجنة الجنة ـ قام خطيبا فخطب لأتباعه كما ذكر.
ويحتمل قوله : (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أي : لما فرغ من الحساب ومن أمرهم ؛ عند ذلك يخطب ؛ ما ذكر ؛ وهو كقوله : (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) [الأحقاف : ٢٩] أي : لما فرغ من السماع ؛ فعلى ذلك هذا.
وقال بعضهم : (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أي : لما نزل بهم العذاب.
ويشبه أن يكون قوله : (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) هو أن الله كان وعد أن يقوم إبليس خطيبا لهم ؛ فقضى الأمر ؛ أي : أنجز ما وعد ؛ أنه يخطب أو أن يكون لأهل الكفر لجاجات ومنازعات فيما بينهم يوم القيامة ؛ كقوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] ؛ وكقوله : (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ ...) الآية [المجادلة : ١٨]
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) قاله محمد بن كعب وابن زيد أخرجه ابن جرير عنهما (٢٠٦٤٠ ، ٢٠٦٤١).
(٣) قاله ابن جرير (٧ / ٤٣٣).