وأقررتم أنه لا يملك ما ذكر سواه وعرفتم أن له السلطان والقدرة على ذلك أفلا تتقون](١) بوائقه ونقمته ، [أو يقول : أفلا تتقون عبادة غيره دونه ، وإشراك غيره في ألوهيته وربوبيته](٢) ، أو يقول : أفلا تتقون صرف شكره إلى غيره وقد أقررتم أنه هو المنعم عليكم بهذه النعم لا من تعبدون دونه.
أو يقول ـ والله أعلم ـ : إذا عرفتم ذلك أفلا تتقون مخالفته وعصيانه ، فإذا أقروا أن الذي يملك تدبير ما بين السماء والأرض هو الذي له السموات والأرض عرفوا الذي يستحق العبادة والقيام بشكره ، فإذا ضيعوا ذلك جمعهم على اسم الضلال ؛ فذلك قوله : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ).
وقوله تعالى : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) أي : ذلكم الذي ذكر ربكم بالحجج والبراهين ، فما ذا بعد الحق الذي هو حق بالحجج والبراهين إلا الضلال؟! لأن ما لا حجج له ولا براهين (٣) فهو ضلال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) : عن عبادته إلى عبادة غيره ، أو فأنى تصرفون عن شكر المنعم ، إلى شكر غير المنعم. أو يقول : فأنى تعدلون من لا يملك ما ذكر بمن يملك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) حقت : وجبت ، وقيل : كذلك حقت كلمة ربك على الذين ختموا بالفسق أنهم لا يؤمنون ، أي : لا ينتفعون بإيمانهم بعد ذلك.
وقوله : (كَلِمَةُ رَبِّكَ) تحتمل وجهين : تحتمل كلمة ربك [مواعيد ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون فإن كان على هذا فهو في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون. ويحتمل كلمة ربك](٤) حجج ربك وبراهينه على الذين فسقوا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) : قال عامة أهل التأويل : ثم يعيده : البعث بعد الموت (٥) ، أي : لا أحد من شركائكم الذين تعبدون يملك
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) ما بين المعقوفين سقط في ب.
(٣) في ب : برهان.
(٤) سقط في أ.
(٥) قال القرطبي : ومعنى الآية : (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) : ينشئه من غير أصل ولا سبق مثال ، (ثُمَّ يُعِيدُهُ) : يحييه بعد الموت كهيئته ، فإن أجابوك ، وإلا ف (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، ثم قال : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أى : تصرفون عن قصد السبيل ، والمراد : التعجب منهم في الدنيا من هذا الأمر الواضح الذي دعاهم الهوى والتقليد إلى مخالفته ؛ لأن الإخبار عن كون الأوثان آلهة كذب وإفك ، والاشتغال بعبادتها مع أنها لا تستحق العبادة أيضا إفك.
ينظر اللباب (١٠ / ٣٢٣).