أي : أنزلوا ، دل هذا أن الآية نزلت في الرؤساء من الكفرة ، والأئمة منهم ؛ حيث أخبر أنهم أحلوا قومهم دار البوار. ذكر (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ) على الماضي ؛ لأنه قد وجد منهم الجناية بالإحلال في دار البوار ، وذكر في دخولهم جهنم على الاستئناف ؛ بقوله : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) لما لم يوجد بعد سيوجد ، ويجوز أن يستدل بهذا لأصحابنا لمسألة : وهي أن العبد إذا حفر بئرا ثم أعتق ؛ فوقع في البئر إنسان : ينظر إلى قيمة العبد يوم حفر ؛ لأن الحفر منه جناية ، وإلى الواقع فيه يوم الوقوع لا يوم الحفر ؛ لأنه لم يوجد بعد يوم الحفر جناية.
أو أن يقال : أحلوا أرواحهم دار البوار ؛ فتدخل أجسادهم يومئذ ، لم تدخل بعد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) ثم فسرّ أنهم لم أحلوا قومهم دار البوار؟ فقال : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) : أعدالا وأمثالا ، (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ).
يحتمل قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) في العبادة ؛ يعبدون كما يعبد الله ، أو في التسمية ؛ يسمونها آلهة ؛ كما يسمى الله ، جعلوا له أندادا في هذين الوجهين ، يذكر سفههم ؛ حيث جعلوا ما لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا ينفع ، ولا يدفع ، ولا يضر [أمثالا وأعدالا](١) لله ؛ على علم منهم أن الله هو الذي خلقهم ، ورزقهم ، وينعم عليهم ، وهو الذي يدفع عنهم كلّ بلاء وشدة.
وجائز أن يكون قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) هو تفسير ما ذكر ؛ من تبديل النعمة كفرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَمَتَّعُوا) بهذه النعم التي ذكر أنهم بدّلوها كفرا.
(فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) هذا في قوم ماتوا على الكفر ، أو يقول : قل تمتعوا في الدنيا أو تمتعوا بالكفر فإن مصيركم إلى النار ، هذا في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا وفيه دلالة إثبات الرسالة.
وقال أبو عوسجة : البوار : الهلاك والفناء ، يقال : بار الرجل يبور بورا ؛ فهو بائر ، وقوم بور أي : هالكون. ويقال : بارت السوق ، وبارت السلعة : إذا كسدت ويقال : بارت المرأة تبور بوارا ؛ فهى بائرة : إذا كبرت. وفي حديث النبي صلىاللهعليهوسلم : «نعوذ بالله من بوار الأيّم» (٢) ؛ قيل : يعني من كسادها. والله أعلم.
__________________
(١) في ب : أعدالا وأمثالا.
(٢) أخرجه الربيع بن حبيب في المسند (٢ / ٣٠) عن جابر بلفظ : «إذا خطب إليكم كفء فلا تردوه ؛ فنعوذ بالله من بوار البنات».