تعالى عليه بردا وسلاما.
ففي ذلك كله دلالة رسالته.
وكانت له هجرتان : إحداهما إلى مكة ؛ حيث أسكن فيها ولده ، والهجرة الثانية إلى بيت المقدس ؛ وهو ما ذكر : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها ...) الآية [الأنبياء : ٧١].
ثم قوله : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) هو دعاء بتعريض لا بتصريح ، والدعاء بالتعريض ؛ والسؤال بالكناية أبلغ وأكثر من السؤال بالتصريح ، وهو كدعاء آدم وحواء : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ...) الآية [الأعراف : ٢٣] فهذا أبلغ في السؤال من قوله : اغفر لنا وارحمنا ؛ لأن مثل هذا قد سئل من دونه ؛ ولا يكون فيه ما ذكر فيه من الخسران.
وقوله : (مِنْ ذُرِّيَّتِي) يحتمل أن يكون كلمة (من) صلة ؛ أي : أسكنت ذريتي ، ويحتمل على التبعيض ؛ أي : أسكنت بعض ذريتي ، على ما ذكر في بعض التأويلات : إسماعيل وإسحاق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ).
يحتمل قوله : (الْمُحَرَّمِ) وجهين :
أحدهما : حرمه أن يستحل فيه ما لا يحل ولا يصلح ؛ لكنه خص تلك البقعة بالذكر ؛ وإن كان ذلك لا يحل في غيرها من البقاع ؛ لفضل الحرمة التي جعلها الله لها ، كما خص المساجد بأشياء ؛ لفضلها على غيرها من الأمكنة والبقاع.
والثاني : قوله : (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) : أي : الممنوع ؛ يقال : حرم : أي : منع ؛ كقوله :
(وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) [القصص : ١٢] ليس ذلك على التحريم ألا يحل له المراضع ؛ ولكن على المنع ؛ أي : منعنا عنه ؛ لنرده إلى أمه ، فعلى ذلك قوله : (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) أي : الممنوع عن الخلق لله ؛ حتى لم يقدر واحد (١) من الفراعنة والملوك الغلبة عليها وإدخالها في منافع أنفسهم ، بل هي ممنوعة عنهم ؛ على ما كان ، وفيه آية الوحدانية له والألوهية. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ).
قال بعض أهل التأويل : فيه تقديم يقول : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ليقيموا الصلاة لك عند بيتك.
__________________
(١) في ب : أحد.