وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
يشبه قوله : (وَمَنْ عَصانِي) ليس عصيان شرك ، ولكن عصيان ما دون الشرك ؛ فإنه غفور رحيم. أو من عصاني فإنك غفور ؛ أي : ساتر عليه الكفر إلى وقت معلوم ؛ إذ الغفران : هو الستر ؛ فستر عليه إلى أجل ؛ كقوله : (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ) أو يقول : (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : أي : تمكن له من التوبة والإسلام ؛ فيسلم ويتوب ؛ فتغفر له ما كان منه من العصيان ؛ وترحم عليه.
وقوله : (وَمَنْ عَصانِي) فيما دعوته إليه وأمرته به (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تمكن له من التوبة ، والرجوع عما كان ؛ فتغفر له وترحمه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ).
لا يحتمل أن يكون قال هذا أول ما قدم تلك البقعة ؛ لأنه قال : (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) ولا بيت هنالك ، دل أنه إنما دعا بهذه الدعوات : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) وما ذكر (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا ...) [البقرة : ١٢٨] إلى آخر ما ذكر ؛ بعد ما رفع البيت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) دل أنه إنما أسكن بعض ذريته ؛ لم يسكن ذريته كلها ؛ حيث قال : (مِنْ ذُرِّيَّتِي).
قد امتحنه الله بمحن ثلاثة ؛ لم يمتحن بمثلها أحدا من الأنبياء :
أحدها : امتحنه بإسكان ولده بواد غير ذي زرع ؛ وغير ذي ماء ، مما لا يحتمل قلب بشر تركه في مثل ذلك المكان مثله ، دل أنه إنما فعل بأمر من الله تعالى.
والثاني : امتحنه بذبح ولده حتى إذا أشرف على الهلاك ـ فداه الله تعالى بكبش.
[والثالث](١) : امتحنه بإلقائه في النار ؛ فألقى حتى إذا أشرف على الهلاك ـ جعلها الله
__________________
ـ العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به.
وقال الترمذى : حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم.
قلت : وقد وهم رحمهالله في ذلك فالحديث في صحيح مسلم كما تقدم في التخريج.
وللحديث شواهد من حديث ابن عمر وأبي بردة بن يسار وابن مسعود والحارث بن سويد وقيس ابن أبي غرزة وأبي الحمراء وعائشة.
حديث ابن عمر :
أخرجه أحمد (٢ / ٥٠) والبزار (٢ / ٨٢) رقم (١٢٥٥) من طريق ابن معشر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من غشنا فليس منا».
والحديث ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) (٢ / ٢٨٨) وقال : رواه أحمد والبزار والطبراني في (الأوسط) وفيه أبو معشر وهو صدوق وضعفه جماعة.
(١) سقط في أ.