وجلين خائفين على سلب ما هم عليه ، وهكذا الواجب أن يكون الخوف على من نعمه عليه أكثر ؛ فخوفه أشد.
وقال أبو عوسجة : (وَاجْنُبْنِي) أي : باعدني ، وجنبني أيضا. وقال القتبي (١) : أي : جنبني وإياهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ).
نسب الإضلال إلى الأصنام ـ وإن لم يكن لها صنع في الإضلال لأنهم بها ضلوا ، وكانت الأصنام سبب إضلالهم ، وقد تنسب الأشياء إلى الأسباب ، وإن لم يكن للأسباب صنع فيها نحو ما ذكرنا من قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ ...) [التوبة : ١٢٥] والسورة لا تزيدهم رجسا ، لكن نسب الرجس إليها لما كانت هي سبب زيادة رجسهم ، وهو أنها لما نزلت يزداد لهم بها تكذيبا وكفرا بها ، فنسب ذلك إليها ، فعلى ذلك الأول.
والثاني : ينسب إلى الأحوال التي كانت بها؟ ما لو كانت تلك بذوات الأرواح ، لكانت تضل وتغوي [كذي الروح] ممن يكون منه الإضلال ، لأنها تزين وتحلى بالأشياء ؛ نحو ما نسب الغرور إلى الدنيا ؛ وإن كانت الدنيا لا تغر ؛ لأنها تكون بحال لو كانت تلك الأحوال من ذي الروح لكان ذلك تغريرا ، فعلى ذلك نسبة الإضلال إلى الأصنام. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي).
يشبه أن يكون (مِنِّي) : أي : موافقي في الدين ، أو في الولاية ، وحاصله ـ والله أعلم ـ : معي في الدين وفي أمر الدين ، وكذلك [معنى ما روي :](٢) «من غش فليس منا» أي : ليس بموافق لنا ، أو ليس معنا ، أو ليس من ملتنا ، وكذلك قوله : (فَإِنَّهُ مِنِّي) أي : من ملتى.
وحاصله : فمن تبعني وأجابني فيما دعوته إليه وأمرته به فإنه مني ؛ أي : مما أنا عليه ، وكذلك قوله : «من غش فليس منا» (٣) أي : ليس مما نحن عليه.
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٣).
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه مسلم (١ / ٣٤٨ ـ الأبي) كتاب الإيمان : باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم «من غش فليس منا» حديث (١٦٤ / ١٠٢) ، وأبو داود (٢ / ٢٩٤) كتاب البيوع : باب في النهي عن الغش حديث (٣٤٥٢) ، والترمذي (٣ / ٥٧٩) كتاب البيوع : باب ما جاء في كراهية الغش في البيع حديث (١٣١٥) ، وابن ماجه (٢ / ٧٤٩) كتاب التجارات : باب النهي عن الغش حديث (٢٢٢٤) ، وأبو عوانة (١ / ٥٧) ، وأحمد (٢ / ٢٤٢) ، والحميدي (٢ / ٤٤٧) رقم (١٠٣٣) ، وابن الجارود في (المنتقى) رقم (٥٦٤) ، وابن حبان (٤٩٠٥ ـ الإحسان) ، وابن مندة في (الإيمان) رقم (٥٥٠ ، ٥٥١ ، ٥٥٢) والطحاوي في مشكل الآثار (٢ / ١٣٤) ، والحاكم (٢ / ٨ ـ ٩) ، والبيهقي (٥ / ٣٢٠) كتاب البيوع ، كلهم من طريق ـ