به غذاؤهم وقوامهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ).
لا يحتمل أن يكون مثل هذا الدعاء [منه](١) مبتدأ ، بل كأنه ـ والله أعلم ـ عن نازلة دعاه ؛ إذ يعلم صلوات الله عليه أنه كان يعلم ما يخفون وما يعلنون ، لكن لم يبين : ما تلك النازلة؟ وأهل التأويل يقولون : قال هذا ؛ أي : (تَعْلَمُ ما نُخْفِي) من الحزن والوجد على إسماعيل وأمه حين تركهما بواد لا ماء فيه ولا زرع ، ويقولون : (وَما نُعْلِنُ) وهو قوله : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) ، لكن لا نعلم ذلك. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ).
كان هذا جوابا عن الله وإخبارا منه إياه ؛ أنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ؛ أي : لا يخفى عليه ما لا أمر فيه ولا نهي ولا جزاء ؛ فكيف يخفى عليه الأعمال التي عليها الجزاء والأمر؟
وقوله ـ عزوجل ـ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ).
قال أهل التأويل (٢) : إنه وهب له الولد ؛ وهو ابن كذا وامرأته ابنة كذا ؛ لكن لا نعلم ذلك سوى ما ذكر أنه وهب له الولد على الكبر في وقت الإياس عن الولد ؛ حيث بشر بالولد ؛ فقال : (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) [الحجر : ٥٤] وحيث قالت امرأته لما بشرت بالولد (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] يعلم أنه وهب له الولد ؛ وهما كانا كبيرين في وقت الإياس عن الولد.
وقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) يكون حمده على الأمرين جميعا : على الهبة ؛ وعلى الولادة في حال الكبر ؛ وهو حال الإياس ؛ إذ كل واحد مما يوجب الحمد عليه والثناء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) قيل : لمجيب الدعاء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي).
قد سبق من الله الأمر بإقامة الصلاة ؛ وهو المقيم لها ؛ فدل الدعاء منه والسؤال ؛ على أن يجعله مقيم الصلاة ـ أن عند الله لطفا سوى الأمر لم يعطه ؛ فسأله ذلك ؛ هو التوفيق.
وعلى قول المعتزلة ؛ لقولهم : إنه قد أعطى كل شيء حتى لم يبق عنده ما يعطيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ).
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) قاله سعيد بن جبير ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٨٦٥).