قال بعضهم : تقبل دعائي في إقامة الصلاة لنفسه وذريته ؛ لكن لا يجب أن يخص دعاء من الدعوات التي سأل ربه ؛ وقد دعا ربه بدعوات كثيرة ؛ نحو ما قال : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ، وقوله : (رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) ، وقال : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) [البقرة : ١٢٨] ، وغير ذلك من الدعوات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ).
طلب من ربه المغفرة لوالديه.
قال الحسن : إن أمّه كانت مسلمة ، وأما أبوه : فكان (١) كافرا ؛ لأنه قال : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٨٦] فخص (٢) والده بالضلال ؛ دل أن أمه كانت مسلمة ؛ لكنا لا نعلم ما حال الأم : أمه كانت مسلمة أو كافرة ، وأما أبوه فهو لا شك أنه كان كافرا.
ثم [لا](٣) يحتمل دعاؤه لوالديه ؛ وهما كافران ؛ إن كانت (٤) أمّه كافرة ؛ إلا على إضمار الإسلام ؛ أي : اغفر لهما إن أسلما ، أو أن يكون سؤاله المغفرة لهما سؤال الإسلام نفسه ، أو أن يكون طلب منه الستر عليهما في الدنيا ، وألّا يفضحهما ولا يخزيهما ، لكنه سأل المغفرة يوم يقوم الحساب. ولا يحتمل طلب الستر إلا أن يفصل بين قوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) وبين قوله : (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) يبتدئ بالمؤمنين يوم يقوم الحساب ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ودعاء إبراهيم وسؤاله المغفرة لوالديه يكون سؤال السبب ؛ الذي يستحقان به المغفرة من ربها ، ويكونان أهلا لها ؛ وهو التوحيد ومعرفة المولى ؛ وهو ما ذكرنا في أمر نوح قومه الاستغفار له ، وكذلك قول هود ؛ حيث قال : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ...) الآية [هود : ٥٢] وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ).
يحتمل قوله : (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) : بالعدل ؛ يقول الرجل لآخر : أقم حسابي أي : اعدل فيه. وإقامة الحساب : العدل فيه ؛ على ما توجبه (٥) الحكمة ، لا يزاد ولا ينقص ؛ كقوله : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) [الأنبياء : ٤٦] قال بعضهم (٦) : (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) : يوم يحاسبون ، قيام الحساب : هو المحاسبة نفسها والله أعلم.
__________________
(١) في ب : كان.
(٢) في ب : خص.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : كان.
(٥) في أ : يوجب.
(٦) قاله البغوي (٣ / ٣٩).