وعلى قول المعتزلة : لا يملك إنجاز ما وعد ؛ لأنه يجيء إنسان ؛ فيقتله ؛ فيمنع الله عن وفاء ما وعد ، فذلك عجز وخلف في الوعد ، فنعوذ بالله من السرف في القول ، والزيغ عن الحق (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) يعني : القرآن.
(إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ).
قال الحسن : قوله : يا أيها الذي تدعي أنه نزل عليه الذكر : إنك لمجنون ؛ فيما تدعي من نزول الذكر ، هو على الإضمار الذي قال الحسن ، وإلا في الظاهر متناقض ؛ لأنهم كانوا لا يقرون بنزول الذكر عليه ؛ لأنهم لو أقروا نزول الذكر عليه لكان قولهم متناقضا فاسدا.
(إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) سموه مجنونا ، والذي حملهم على تسميتهم إياه مجنونا وجوه :
أحدها : [أنهم](٢) لما رأوه أنه قد أظهر الخلاف لذوي العقول منهم والأفهام ، والدعاء إلى غير ما هم فيه ؛ فرأوا أنه ليس يخالف أهل العقول والفهم إلا بجنون به ؛ فسموه مجنونا.
والثاني : رأوه قد أظهر الخلاف للفراعنة والجبابرة ، الذين كانت عادتهم القتل والهلاك من أظهر الخلاف لهم ؛ في أمر من أمورهم الدنياوية ؛ فكيف من أظهر [الخلاف لهم](٣) في الدين؟ فظنوا أنه ليس يخالفهم ، ولا يخاطر بنفسه وروحه إلا لجنون فيه.
والثالث : قالوا ذلك لما رأوه ؛ كان يتغير لونه عند نزول الوحي عليه ؛ فظنوا أن ذلك لآفة فيه ، ومن تأمل حقيقة ذلك علم أن من قرفه بالجنون فيه (٤) هو المجنون لا هو ؛ حيث قال : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ...) الآية [الأعراف : ١٨٤] وقال : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) [القلم : ٢] أخبر أنهم لو تفكروا عرفوا أنه ليس به جنة ، ولكن عن معاندة ومكابرة ؛ يقولون ؛ وجهل ، وسموه مرة ساحرا ؛ فذلك تناقض في القول ؛ لأنه لا يسمى ساحرا إلا لفضل بصر وعلم ؛ فذلك تناقض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
تأويله ـ والله أعلم ـ يقولون له : إنك تزعم أن الملائكة يأتونك بالوحي ، فهلا أظهرت
__________________
(١) في أ : الخلق.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : لهم الخلاف.
(٤) في أ : به.