يمنعهم عن الإجابة له ، والانقياد له ، والنظر في الآيات والحجج.
والثالث : يطمعون هلاك النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويتمنون ذلك ، وانقطاع ملكه ، وأمره ، والعود إليهم ، فذلك الذي كان منعهم.
وفي حرف حفصة : ذرهم يخوضوا ويلعبوا ويلههم الأمل.
وقوله : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا ...) الآية في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون ، آيس رسوله عن إيمانهم ؛ وهو كقوله : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأنعام : ١١٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ).
قال الحسن : وما أهلكنا من أهل قرية إهلاك تعذيب ؛ إلا وقد أرسلنا إليهم رسلا بكتاب معلوم ، نتلو ذلك الكتاب المعلوم عليهم ، فإذا كذبوهم وأيسوا من إيمانهم ؛ فعند ذلك يهلكون هلاك تعذيب ، وهو ما قال : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) [القصص : ٥٩] ، فعلى ذلك الأول.
وقال بعضهم : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) يقول : كتاب فيه أجل معلوم مؤقت لها ؛ على هذا التأويل ؛ كأنه قد خرج جوابا لقول كان من أولئك الكفرة من استعجالهم الإهلاك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ).
أي : ما تسبق أمة عن أجلها الذي جعل الله لها بالإهلاك ، وما تستأخر عنه ، وهو ما قال : (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف : ٣٤] [أي : ما يستأخرون ساعة عن الوقت الذي جعل لهم ولا يستقدمون](١).
فهذا ينقض على المعتزلة قولهم ؛ حيث قالوا : إن الله يجعل لخلقه آجالا ، ثم يجيء آخر فيقتله قبل الأجل الذي جعله (٢) له ، والله يقول : (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ، وقال : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) [العنكبوت : ٥٣] يخبر أنه لجاءهم العذاب ؛ لو لا ما جعل من أجل مسمى ؛ قد وعد جلّ وعلا أن يفي بما (٣) وعد ؛ من البلوغ إلى الأجل الذي سمى.
__________________
ـ وحقيقة الأمل : الحرص على الدنيا ، والانكباب عليها ، والحب لها ، والإعراض عن الآخرة ، قال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد ، ويهلك آخرها بالبخل والأمل».
وقال الحسن : ما أطال عبد الأمل ، إلا أساء العمل ينظر : تفسير القرطبي (١٠ / ٤).
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) في ب : جعل.
(٣) في ب : ما.