أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) الآية [المؤمنون : ٩٩ ـ ١٠٠] أخبر أنه يتمنى عند حلول الموت ـ الإسلام ؛ حيث طلب الرجوع إلى الدنيا ، دلّ أنهم يودون الإسلام ؛ قبل الوقت الذي ذكروا ، أو يتمنون الإسلام إذا حوسبوا ، أو إذا بعث أهل الجنة [إلى الجنة وبعثوا هم](١) إلى النار ، يتمنون الإسلام قبل ذلك بمواضع ، وربما يتمنى الآحاد من الكفرة ، ويودّون لو كانوا (٢) مسلمين في أحوال ؛ وأوقات ؛ يظهر لهم الحق (٣) ، وقد بان لهم الحق ؛ لكن الذي يمنعهم عن الإسلام ـ فوت شيء من الدنيا ، وذهاب شيء قد طمعوا فيه.
وقال الحسن في قوله : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) : قسم ؛ لما ذكر : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) ؛ يقول : أقسم بالحروف المقطعة أنهم يودّون الإسلام. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا).
هذا ليس على الأمر ، ولكن على الوعيد (٤) ، والتهديد ، والإبلاغ في الوعيد ، وتأكيد ؛ كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ...) الآية ، [فصلت : ٤٠] هو على الوعيد (٥) ؛ حيث قال : (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت : ٤٠] فعلى ذلك قوله : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا) وعيد بقوله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ، ويشبه أن يكون : ذرهم ولا تكافئهم بصنيعهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) المحقّ من المبطل ، وأن المحقّ والمبطل من أنت أو هم؟ أو سوف يعلمون نصحك إياهم ، وشفقتك لهم ، أنك نصحت لهم ، وأشفقت عليهم لا أن خنتهم أو يعلموا بما سخروا بكم وهزءوا.
وقوله : (وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ).
الأمل : الطمع ، اختلف فيه : قال بعضهم : [أي](٦) : منعهم طمعهم أنهم وآباءهم قد أصابوا الحق ، ذلك منعهم عن الإجابة ، والنظر في الآيات والحجج.
والثاني : تقديرهم بامتداد حياتهم (٧) ؛ ليبقى لهم الرئاسة ، والشرف ، ذلك الذي كان
__________________
(١) في أ : وبعثوهم.
(٢) في ب : كان.
(٣) زاد في أ : لكن الذي يمنعهم.
(٤) في أ : التوحيد.
(٥) في أ : التوعيد.
(٦) سقط في ب.
(٧) قال القرطبي : أربعة من الشقاء : جمود العين ، وقساوة القلب ، وطول الأمل ، والحرص على الدنيا.
فطول الأمل : داء عضال ، ومرض مزمن ، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه ، واشتد علاجه ، ولم يفارقه داء ، ولا نجع فيه دواء ، بل أعيا الأطباء ، ويئس من برئه الحكماء والعلماء. ـ