وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ).
اختلف فيه : قال بعضهم (١) : كذلك نسلك التكذيب والاستهزاء في قلوب المجرمين ؛ لا يؤمنون به ، يقول : من حكم الله أن يسلك التكذيب في قلب من اختار التكذيب وكذبه ، ومن حكمه أن يسلك التصديق في قلب من صدقه واختاره ؛ كقوله : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥] وكقوله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٦].
وقال بعضهم (٢) : قوله : (كَذلِكَ) نجعل الكفر والتكذيب (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) بكفرهم ؛ كقوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ...) الآية [الأنعام : ٢٥] وقوله : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) [المائدة : ١٣] ونحوه.
ويحتمل قوله : (نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) الحجج والآيات ؛ ليكون تكذيبهم وردّهم [الآيات والحجج](٣) ، وتكذيبهم تكذيب عناد ومكابرة ، لا يؤمنون به.
وقوله : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي : مثل الذي سلكنا في قلوب المؤمنين ؛ من قبول الآيات والحجج ، والتصديق لها ؛ لما علم أنهم يختارون ذلك ـ نسلك (٤) في قلوب المجرمين ؛ من تكذيب الآيات والحجج وردها ؛ لما علم منهم الرد والتكذيب لها. هذا يحتمل ، ويحتمل غير هذا مما ذكرنا. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ).
يحتمل قوله : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) بالتكذيب ، والردّ ، والمعاندة ، والمكابرة ، بعد قيام الحجج والآيات.
ويحتمل : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) : الهلاك والاستئصال عند مكابرة حجج الله ، ومعاندتهم إياها.
وقال بعض أهل التأويل (٥) : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) أي : نجعله ؛ على ما ذكرنا ، الكفر بالعذاب (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) ، (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي : لا يصدقون بالعذاب (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) بالتكذيب لرسلهم بالعذاب ، فهؤلاء يستنون بسنتهم.
وقال أبو عوسجة : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) : أي : ندخله ؛ يقال : السالك : الداخل ، والسلوك : الدخول ، وسلكت أدخلت ، وتصديقه : قوله : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ) [الشعراء :
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٤٥).
(٢) قاله سفيان ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٠٤٠).
(٣) في ب : الحجج والآيات.
(٤) في أ : مثلك.
(٥) هو قول سفيان كما تقدم.