كالأضداد ليعلم أنه تدبير واحد ؛ حيث صارت الأضداد كالأشكال ، والأشكال كالأضداد في حق المنفعة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَحَفِظْناها) يعني : السماء ، (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) ذكر أن الشياطين كانوا يصعدون السماء فيستمعون من أخبار السماء من الملائكة ، مما يكون في الأرض ؛ من غيث وغيره ، ثم زادوا فيها ما شاءوا فيلقون ذلك إلى الكهنة ؛ فيخبر الكهنة الناس ، فيقولون : ألم نخبركم [بالمطر](١) في يوم كذا وكذا ، وكان حقّا ، ثم منعوا عن ذلك ـ عن صعودهم ـ أعنى السماء ، وحفظوا عنهم ، فجعلوا يسترقون السمع ، فسلط الله الشهب عليهم ، حتى يقذفون ؛ وهو قوله : (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً) [الصافات : ٨ ، ٩] وقوله : (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) [الصافات : ١٠].
ويحتمل (وَحَفِظْناها) : أي : أهلها من الشيطان الرجيم لما ذكرنا من ذكر أشياء من القرية والمصر والعير ، وغيره ، والمراد منه : أهله ، فعلى ذلك هذا ، إلا أن أهل السماء بأجمعهم أهل ولاية الله ؛ وأهل طاعته ، وأما أهل الأرض : ففيهم من الغاوين الضالين ، فهم أولياء الشيطان ؛ كقوله : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ...) الآية [النحل : ١٠٠].
ويحتمل حفظ السماء نفسها : بالملائكة ، وهو ما ذكر : (وَيَقْذِفُونَ ...) الآية. ويحتمل : بالشهب ؛ التي في غير آي من القرآن.
وقال بعضهم (٢) : (رَجِيمٍ) : اللعين ، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود : من كل شيطان لعين واللعين : ـ فى اللغة ـ : فهو المطرود المبعد ، وهو على ما ذكر (دُحُوراً).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) [ق : ٧] وقال في آية أخرى : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) [الأنبياء : ٣١] يعني الجبال ، في ظاهر هذا أن الأرض كأنها تضطرب وتنكفئ بأهلها ، فأثبتها بالجبال ، وإلا من طبعها التسفل والانحدار ، وكذلك الجبال من طبعها التسفل والانحدار ، فكيف كان ثباتها بشيء [كان](٣) طبعه التسفل والتسرب؟ إلا أن يقال : إن طبعها كان الاضطراب والانكفاء فأثبتها بالجبال عن الاضطراب والانكفاء ؛ أو أن يقال : من طبعها ما ذكرنا : التسفل والانحدار ؛ إلا أن الله ـ بلطفه ـ أثبت ما هو طبعه التسفل ، بما (٤) هو طبعه كذلك ؛ ليعلم لطف الله وقدرته ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٧٧).
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : ما.