وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ).
قد ذكرنا فيما تقدم أن الأنبياء قد نهوا عن أشياء [قد](١) عصموا عنها ما لا يحتمل أن يكون منهم ما نهوا عنه ؛ [نحو قوله](٢) : (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [آل عمران : ٦٠] (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤] و (مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٣٥] ، (الْكافِرِينَ) [البقرة : ٣٤] وأمثاله ، وذلك مما لا يتوهم كونه (٣) منهم ؛ وذلك لما ذكرنا أن العصمة لا ترفع المحنة ؛ لأنها لو رفعت لذهبت فائدة العصمة ؛ لأنها (٤) إنما يحتاج إليها عند المحنة ، وأمّا إذا لم يكن محنة فلا حاجة تقع إليها ، فعلى ذلك إبراهيم لم يكن قنط من رحمة ربه ؛ أنه لا يهب له الولد في حال كبره ؛ ولكن ما ذكرنا ، ثم بين أنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون : أخبر أن القنوط من رحمة الله هو ضلال ، والإياس من رحمته كفر ، فعندهم تضيق رحمته حتى لا يسع فيها الكبائر ، والمعتزلة يقنطون من رحمة ربهم ؛ لقولهم في أصحاب الكبائر ما يقولون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) [الذاريات : ٣١].
قيل : فما خبركم ، وما قصتكم ، وما شأنكم؟ والخطب : الشأن ؛ أي : على أي أمر وشأن أرسلتم.
(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) [الذاريات : ٣٢].
لم يحتمل أن يكون أول ما أخبروا إبراهيم وقالوه هذا ، ولكن كان فيه ما ذكر في آية أخرى : (قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) [العنكبوت : ٣١] (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [العنكبوت : ٣٤] فقال إبراهيم (إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها) [العنكبوت : ٣٢] يذكر هاهنا على الاختصار ؛ فذلك يدل أن الخبر إذا أدّى معناه يجوز ، وإن لم يؤت بلفظه على ما كان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. إِلَّا آلَ لُوطٍ) كأن الثنيا هاهنا تكون عن الأشخاص ، وأنفس أهل القرية ؛ عن قوله : (مُجْرِمِينَ) ؛ لأن آل لوط لم يكونوا مجرمين ؛ فلا يحتمل الاستثناء من ذلك.
أو لا يكون على حقيقة الثنيا ، وإن كان في الخبر استثناء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا امْرَأَتَهُ).
أخبر أنهم يهلكون قومه ، ثم استثنى آله منهم ، ثم امرأته من آله ؛ ففيه دلالة أن الثنيا
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : كقوله.
(٣) في ب : أمثاله.
(٤) في أ : لأنه.