عليه ، واللصوص وأهل الريبة إذا دخلوا بيت آخر لا يسلمون عليه ، لكنه إنما خافهم إذ رأى أيديهم لا تصل إليه ؛ كما قال : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) [هود : ٧٠] عند ذلك خافهم ؛ فلما رأى ذلك ظن إبراهيم أنهم ملائكة ؛ إنما جاءوا لأمر عظيم ؛ حيث لم يتناولوا مما قرب إليهم ؛ وبين إبراهيم (١) وبين المكان الذي يرتحل منه ـ مكان يقع لهم الحاجة إلى الطعام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا تَوْجَلْ) أي : لا تخف : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ).
وقال في آية أخرى : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) [الصافات : ١٠١] والحلم : هو الذي ينفي عن صاحبه كل أخلاق دنية ، والعلم : هو الذي يدعو صاحبه إلى كل خلق رفيع ؛ ليعلم أنه اجتمع فيه [جميع](٢) الخصال الرفيعة ، ونفى عنه كل خلق دنيء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ).
أي : أبشرتموني أن يولد لي ، وأنا على الحال التي أنا عليها ، أو يردّ إليّ شبابي وشباب امرأتي.
(فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) على الحال التي أنا عليها وامرأتي ، أو يرد الشباب إلينا ، وإلا لا يحتمل أن يخفى عليه قدرة الله هبة الولد في حال الكبر ، لكنه لم ير الولد يولد في تلك الحال ، فاستخبرهم أنه يولد في تلك الحال ، أو يرد إلى حالة أخرى حالة الشباب. والله سبحانه أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ).
أي : بما هو كائن لا محالة ، أي : وعد كائن لا محالة ، والواجب على كل من أنعم عليه بنعمة أن يشتغل بالشكر للمنعم ، لا يستكشف عن الوجوه التي أنعم ، والأحوال التي يكون عليها.
ثم في بشارة الولد بشارتان :
إحداهما (٣) : بشارة بالغلام.
والثانية (٤) : بالبقاء والبلوغ إلى وقت العلم ؛ حيث قالوا : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) ، وهو ما قال في آية أخرى : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) [آل عمران : ٤٦] ، ففي قوله «كهلا» دلالة وبشارة : إلى أنه يبقى إلى أن يصير كهلا ، وإلا الكهل يضعف.
__________________
(١) في ب : أيديهم.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : أحدهما.
(٤) في أ : والثانى.