وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً).
قوله : (وَزِينَةً) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن الماشي هو دون الراكب ، والمشى يؤثر نقصانا في الوجه والركوب لا ، وذلك زينة ؛ على ما ذكرنا في قوله : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ).
والثاني : أن الراكب إذا نظر إلى الماشي سرّ بركوبه ، فالسرور يظهر في وجهه ، وذلك يزيد في حسنه وجماله ، وأصله : ما ذكر ـ عزوجل ـ : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ ...) الآية [النحل : ٥] (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) بيّن أنه لما ذا (١) خلق الأنعام وما جعل فيها ؛ وهو ما ذكر : أنه جعل فيها الدفء والمنافع ومنها تأكلون ، وبيّن أنه لما ذا خلق الخيل ؛ وهو ما ذكر : لتركبوها وزينة.
وسئل ابن عباس : عن لحوم الخيل؟ فقرأ : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها) ولم يقل : لتأكلوها ؛ فكره أكلها لذلك (٢). وتمام هذا أن الله ذكر الأنعام ، وما ذكر من النعم والانتفاع بها ، وبالغ في ذكرها ؛ لأنه قال : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) وقال : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ...) الآية ، وقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ) [النحل : ١٠] وقال : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [النحل : ١١] وقال : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا ...) [النحل : ١٤] إلى آخر ما ذكر ، ذكر جميع ما ينتفع به ؛ من أنواع المنافع ذكرا شافيا مبالغا غير مكفيّ ، فدل ما ذكر في الخيل من الركوب ، وكذلك في البغال والحمير ؛ على أنه ليس فيها (٣) منفعة أخرى سوى ما ذكر ؛ وهو الركوب ؛ إذ خرج الذكر لها على المبالغة والاستقصاء ؛ ليس على الاكتفاء ، ولو كان هنالك منفعة أخرى لذكر على ما ذكر في غيره. والله أعلم.
والثاني من الأشياء : أشياء يعرف خبثها ؛ بنفار الطباع ، والصبيان أوّل ما بلغوا يرغبون في ركوبها ، لا أحد يرغب في أكلها إلا من غير طبعه عما كان مجبولا به ؛ فهو يرغب في أكله ، وأما من ترك وطبعه يستخبث وينفر طبعه عن أكله. والله أعلم.
وروي عن جابر قال : لما كان يوم خيبر أصاب الناس مجاعة ، وأخذوا الحمر الأهلية
__________________
(١) في أ : لما.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير (٢١٤٨٤١ ، ٢١٤٨٤) وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٠٧).
(٣) في أ : فيه.