ولقال : ولرجل طعام.
ومما يبين ما ذكرنا : أن البغل حرام ؛ وهو من الفرسة ؛ فلو كانت أمه حلالا كان هو أيضا حلالا ؛ لأن حكم الولد حكم أمه ؛ لأنه منها أو هو كبعضها ، فمن حرم لحم البغل لزمه أن يحرم لحم الفرسة في حكم النظر والمقاييس ؛ ألا ترى أن حمار وحش لو نزا على حمارة أهلية لم يؤكل ولدها ، ولو أن حمارا أهليّا نزا على حمارة وحشية ؛ فولدت أكل ولدها ، أفلا ترى أنه جعل حكم الولد حكم أمه ؛ ولم يعتبر بالفحل ، فلما كان لحم البغل حراما وجب أن يكون لحم الفرسة كذلك. إلا أن أبا حنيفة ـ رحمهالله ـ كان لا يطلق تحريم أكلها ؛ لما فيها من الشبهة ، والاختلاف ، والأحاديث المروية عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لكنه ذكر الكراهة للشبهة التي فيها ؛ وكان أبو يوسف ـ رحمهالله ـ يبيح أكلها.
وقد يجوز أن يحتج لأبي يوسف ؛ في الفرق بين المولود من الفرسة وبين ولد الحمارة الوحشية إذا نزا عليها حمار أهلى بأن ولد الحمارة لم يتغير عن جنس أمه ؛ فحكمه حكمها ، والبغل ليس من جنس أمه ؛ هو من جنس ثالث ، فلذلك لم يكن سبيلها بسبيله. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ).
أخبر أنه يخلق ما لا نعلم ؛ فليس لنا أن نتكلف في علم ذلك. أو يخلق من النعم ـ فيما خلق ـ ما لا تعلمون أنتم أنها نعم.
أو قال : يقول قوم : أن ليس لله أن يخلق شيئا لا يطلعه الممتحن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ).
اختلف فيه : قال بعضهم (١) : أي : على الله بيان قصد السبيل ، وهو الهدى : يبين الهدى من الضلالة ، ويبين من السبل التي تفرقت عن سبيله ؛ كقوله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) [القيامة : ١٩].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْها جائِرٌ) أي : عليه بيان ما يجوز منها ؛ من قصد السبيل يعدل ويجار ، أو يقال : وبالله يوصل إلى قصد السبيل. وقال بعضهم : (وَعَلَى اللهِ) أي :
__________________
ـ سبيل الله (١٦٣٦) والنسائي (٦ / ٢١٥ ـ ٢١٦) في الخيل ، في أوله وابن ماجه (١ / ٩٣٢) في الجهاد ، باب ارتباط الخيل في سبيل الله (٢٧٨٨) ، ومالك (٢ / ٤٤٤ ، ٤٤٥) في الجهاد ، باب الترغيب في الجهاد (٣) ، وأحمد (٢ / ٣٦٢ ، ٣٨٣ ، ٣٨٤) وابن خزيمة (٢٢٥٢) ، والبيهقي (٤ / ٨١) (١٠ / ١٥) والبغوي في شرح السنة (٣ / ٣٣٦) برقم (١٥٦٩) من حديث أبي هريرة.
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢١٤٩١ ، ٢١٤٩٢) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٠٩).