رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [النحل : ٢٤].
ثم اختلف في قوله : (قالُوا خَيْراً) : قال بعضهم : قوله : (قالُوا خَيْراً) أي : قولهم الذي قالوا أنه أرسل بحق ، وأنه كذا خير.
وقال بعضهم : قوله : (قالُوا خَيْراً) حكاية عما أنزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم : و (خَيْراً) : أي : أنزل عليه ربنا خيرا ، أو أن يكون الناس الذين يأتون من الآفاق يسألون عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإذا سألوا المؤمنين : ما ذا أنزل ربكم؟ قالوا : خيرا ، وإذا سألوا الكفرة قالوا : أساطير الأولين.
وجائز أن يكون أتباع المؤمنين سألوا كبراءهم : ما ذا أنزل ربكم؟ قالوا : خيرا ، مقابل ما كان من كبراء الكفرة لأتباعهم أساطير الأولين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) من النصر لهم ، والظفر على عدوهم.
(وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) لهم مما (١) كان أعطاهم في الدنيا.
وقال بعضهم : للذين أحسنوا العمل في هذه الدنيا لهم حسنة في الآخرة ، ولدار الآخرة خير [لهم مما كان أعطاهم في الدّنيا](٢) ؛ أي : الجنة خير وأفضل للمؤمنين مما أوتوا في الدنيا.
(وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) :
قال هذا للمؤمنين مكان ما قال للكافرين : (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [النحل : ٢٩] ثم نعت الدار التي وعد المتقين ؛ فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) من اللذات والشهوات.
فإن قيل : أرأيت لو شاءوا أن يكون لهم درجات الأنبياء ومنازل الأبرار والصديقين ؛ أيكون لهم ما شاءوا؟
قيل : لا يشاءون هذا ؛ لأن مثل هذا إنما يكون في الدنيا إمّا حسدا ؛ وإمّا تمنيا ، فلا يكون في الجنة حسد ؛ لأن الحسد هو [أن يرى](٣) لأحد شيئا ليس له ؛ فيحسد أو يتمنى مثله ، فأهل الجنة يجدون جميع ما يتمنون ويخطر ببالهم ، فلا معنى لسؤالهم ربهم ما لغيرهم ، والله أعلم.
__________________
(١) في أ : ما.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : أن لا يري.