رسول ، وهو كقوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٤] يصبّره على ما يصيبه منهم من المكروه والأذى ؛ أي : لست أنت بأول من يصيبه ذلك ، بل كان لك (١) قبلك [إخوان](٢) أصابهم من أممهم ما يصيبك من أمتك.
وقوله : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ).
هو على الإضمار ؛ كأنه قال : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا وقلنا لهم : قولوا : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ...) الآية ، (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) على ذلك كان بعث الرسل جميعا إلى قومهم بالدعاء إلى توحيد الله ؛ وجعل العبادة له ، والنهى عن عبادة الأوثان دونه ؛ كقوله : (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [هود : ٥٠].
ويكون قوله : (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) : [كقوله :](٣)(ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [المؤمنون : ٢٣] هما واحد.
والطاغوت : قال بعضهم : كل من عبد دون الله فهو طاغوت.
وقال الحسن : الطاغوت هو الشيطان ، أضيف العبادة إليه بقوله : (لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) [يس : ٦٠] لأن من يعبد دونه يعبد بأمره ، فأضيف لذلك إليه ، وقد ذكرنا هذا أيضا فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ).
هذا يدل أنه لم يرد بالهدى البيان ؛ على ما قاله بعض الناس ؛ إذ قد سبق منه البيان لكل واحد (٤) ، وما ذكر أيضا : (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) وهذا يرد على المعتزلة قولهم ؛ حيث قالوا : الهدى : البيان من الله ، لكن الهدى منه في هذا الموضع ليس هو البيان ، هو ما يكرم الله به عبده ؛ ويوفقه لدينه.
وقوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ) لاختياره الهدى (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) أي : لزمت للزومه الضلالة واختياره إياه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ...) الآية.
قال الحسن : قوله : (فَسِيرُوا) ليس على الأمر ؛ ولكن كأنه قال : لو سرتم في الأرض لرأيتم كيف كان عاقبة المكذبين ؛ بالتكذيب.
وقال بعضهم : سيروا ؛ كأنه على الحجاج عليهم أن سيروا في الأرض ؛ فإنكم ترون
__________________
(١) في أ : ذلك.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : أحد.