فإن قيل : لنا : ما الحكمة والفائدة في ذكر قسمهم الذي أقسموا في القرآن ؛ وجعل ذلك آية تتلى؟ وذلك القسم الذي أقسموا كان بحضرة النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وهم علموا ذلك ليس كالأنباء والقصص التي كانت من قبل ، إذ كان ذلك شيئا غاب عنه لم يشهدها ؛ فأخبرهم (١) على ما كان ، ففي ذلك إثبات رسالته ونبوّته؟
فالحكمة والفائدة من (٢) ذكرها في القرآن ؛ وجعلها آيات تتلى ؛ ليعلم أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى.
وأمّا القسم الذي أقسموا ليس فيه ما ذكرنا من إثبات الرسالة ؛ وهم قد علموا ذلك ؛ فما الفائدة في ذكره؟
قيل : يشبه أن يكون ذكره لنا ـ عزوجل ـ لنعلم نحن عظيم سفه أولئك ؛ وقلة عقولهم (٣) ، وحلم الرسول واحتمال ما احتمل منهم من الأذى والمكروه ؛ لنعلم نحن أن كيف يعامل السفهاء ؛ وأهل الفساد ؛ والعصاة من الناس ؛ على ما عامل رسل الله أقوامهم ؛ مع عظيم سفههم وقلة عقلهم ، فذلك فائدة ذكر قسمهم في القرآن قد تكلف أولئك الكفرة الكبراء منهم في تلبيس [الآيات والحجج](٤) التي أتت بها الرسل : مرة بالقسم الذي ذكر ؛ حيث أقسموا بالله جهد أيمانهم أنه لا يبعثون ، ومرة بالنسبة إلى السحر ، ومرة بالافتراء ، ومرة بالنسبة إلى الجنون ، وفي الإنباء بأنه إنما يعلمه بشر منا ، يريدون بذلك التلبيس على الأتباع.
ثم البعث واجب بالعقل ، والحكمة ، وأخبار الرسل ؛ إذ ليس خبر أصدق من أخبار الرسل وآثارهم ، وهم ممن يقبلون الأخبار ، فأخبار الرسل أولى بالقبول والتصديق من غيرهم ؛ لأن معهم آيات صدقهم ودلالات تحقيقهم.
وأما العقل فهو أن كون (٥) هذا العالم وإنشاءه للفناء خاصة خارج عن الحكمة ، إذ كل عمل لا يكون له عاقبة [حميدة](٦) عبث ، وهو كما قال : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ...) الآية [المؤمنون : ١١٥] أخبر أنه إذا لم يكن رجوع إليه يكون خلقه إياهم عبثا.
__________________
(١) في ب : فأشهدهم.
(٢) في أ : في.
(٣) في ب : عقلهم.
(٤) في ب : الحجج والآيات.
(٥) في أ : يكون.
(٦) سقط في أ.