والمهاجرة : المقاطعة ؛ كأنه قال : والذين قاطعوا أرحامهم ، وأقاربهم ، وأموالهم ، ومكاسبهم ، وديارهم ، فأبدل الله لهم مكان الأرحام والأقارب أخلاء وإخوانا ، ومكان أموالهم أموالا أخرى ، وكذلك الدور وكل شيء تركوا هنالك ؛ فأبدلهم مكان ذلك كله.
وأما قوله : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).
يشبه أن يكون ذكر هذا عن حسد كان من الكفرة للمهاجرين ؛ لما أنزلهم في المدينة ، وبوأهم فيها ، وأعزهم ، ورفع ذكرهم ، وأمرهم ، ونصرهم حسدهم أهل الكفر بذلك ، فعند ذلك قال : ولأجر الآخرة لهم أكبر وأعظم في الآخرة ، لو كانوا يعلمون ما وعد لهم في الآخرة.
ويحتمل أيضا قوله : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) هؤلاء المهاجرون فيخفّ عليهم احتمال ما أوذوا وظلموا ، ويهون ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
قال الحسن (١) : أي : على ربهم يثقون (٢) في إنجاز ما وعد لهم في الآخرة أنه ينجز ذلك. ويحتمل قوله : (صَبَرُوا) على أمره ، أو صبروا على الهجرة ، وانقطاع ما ذهب عنهم ، وفراق ما كان لهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ).
هذا ـ والله أعلم ـ يكون على إثر أمر كان من الكفرة ، نحو ما قال أهل التأويل : أنهم قالوا : (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤] ، وقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) [الفرقان : ٢١] ، ونحوه ؛ من كلامهم ، فقال : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) أي : [إلا بشرا ، أي : لم نرسل من غير البشر ، فيكون قوله : (إِلَّا رِجالاً) كناية عن البشر ، أو أن يكون قوله : (إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) أي :](٣) لم يبعث من النساء رسولا إنما بعث الرسل من الرجال إلى الرجال والنساء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
قال بعضهم : ليس على الأمر بالسؤال ، ولكن لو سألتم أهل الذكر لأخبروكم أنه لم يبعث الرسول من قبل إلا من البشر.
وقال بعضهم : هو على الأمر بالسؤال ؛ أي : اسألوا أهل الذكر فتقلدوهم ؛ أي : إن كان
__________________
(١) قاله ابن جرير بنحوه (٧ / ٥٨٦) ، دون أن ينسبه لأحد.
(٢) في أ : يتقون.
(٣) سقط في أ.