كانت مواتا فعلى ذلك تسبيحها وخضوعها جائز أن يكون الله يجعل في سرية هذه الأشياء ما تعرف السجود والتسبيح وتفهمه.
والثاني : يكون سجود هذه الأشياء وتسبيحها بالتسخير ، جعلها مسخرات لذلك ، وإن لم تعلم هي ذلك ولم تعرف ، لكن جعلها بالخلقة كذلك.
والثالث : أنه جعل [خلقة](١) هذه الأشياء دالة وشاهدة على وحدانية الله وألوهيته ، فهن مسبحات لله وساجدات وخاضعات له ؛ بالخلقة التي جعلها دالة وشاهدة على وحدانية الله وألوهيته ، هذا ـ والله أعلم ـ معنى سجودهن وخضوعهن ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ داخِرُونَ).
قيل : صاغرون ذليلون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ).
يذكر هذا ـ والله أعلم ـ أنه يسجد له أعلى الخلائق وأعلمهم وهم الملائكة ، ويسجد له أشد الخلق وأصلبه وهو الجبال والسموات والأرض ، ويسجد له أيضا ويخضع أسفه (٢) الخلق وأجهله وهو الدواب (٣) وغيرها ، وأنتم أبيتم [السجود له](٤) والخضوع ، واستكبرتم عن عبادته ، فهؤلاء الذين ذكرهم يسجدون ، يخبر عن سفه أولئك في إبائهم السجود له والخضوع ، واستكبارهم عليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ).
قال بعضهم (٥) : خوف الملائكة والرسل خوف هيبة الله وجلاله لا خوف نزول شيء من نقمته عليهم ، وخوف غيرهم من البشر خوف نزول شيء يضر بهم ، وكذلك رجاؤهم وطمعهم رجاء نفع يصل إليهم ، ورجاء الملائكة والرسل ، وطمعهم رجاء رضاء الله عنهم لا رجاء نفع يصل إليهم.
وقال بعضهم : يخافون خوف العقوبة والانتقام ؛ لأنهم ممتحنون ، وكل ممتحن يخاف عذاب الله ونقمته ، ألا ترى أنه كيف أوعدهم الوعيد الشديد وقال : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : سفه.
(٣) ينظر : اللباب (١٢ / ٧٣).
(٤) في ب : له السجود.
(٥) قاله ابن عباس أخرجه الخطيب في تاريخه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٢٥).