وجعل فيكم الأفهام وغيرها.
والثاني : على الأمر ؛ أي : اعلموا أن كل شيء من خلق الله يسجد له ويخضع ، وقد أقام عليهم (١) من الحجة على ذلك ما لو تأملوا وتفكروا لعلموا أن كل ذلك يخضع ويسبح ، وإلا ظاهر قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) أن يقولوا : لم تر أن كان الخطاب لأهل مكة على ما ذكره أهل التأويل ، لكن يخرج على هذين الوجهين اللذين ذكرتهما ، ويشبه أن يكون ذكر قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ ...) الآية لما استوحش أهل الإسلام مما عبد أولئك الكفرة الأصنام ، وعظيم ما قالوا في الله ما قالوا ، فقال لذلك : أولم يروا إلى كذا.
وقوله : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ).
قال بعضهم : يريد بالظلال شخص ذلك الشيء ، والظلال كناية عن الشخص ، كما يقال : رأيت ظل فلان ؛ أي : شخصه.
وقال بعضهم : أراد بالظل الظلّ نفسه ، لكن خضوعه وسجوده يكون للشمس والقمر.
وعلى تأويل من يجعل الظل كناية من الشخص يجعل كل نفس تفيء خضوعا وسجودا.
ثم معنى سجود : هذه الأشياء الموات وخضوعهن ، من نحو قوله : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ).
ومن نحو قوله : (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) [ص : ١٨] وقوله : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ : ١٠] وقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٥] وقوله : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) [مريم : ٩٠] وأمثاله.
يحتمل وجوها :
أحدها : أن يجعل الله ـ عزوجل ـ بلطفه في سرية هذه الأشياء معنى تعلم السجود لله والخضوع له ، وهو كما ذكر في الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، أخبر أنها تجرى بأمره ، دل أنها تعلم أمر الله.
وقوله : (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [فصلت : ٢٠ ، ٢١].
أخبر أنها تشهد وتنطق ، ولو [لا](٢) أنها تفهم وتعلم الخطاب ؛ وإلا ما خوطبت ، وإن
__________________
(١) في أ : لهم.
(٢) سقط في أ.