وقوله ـ عزوجل ـ : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ).
هذا لا يحتمل أن يكون هذا القسم منه ابتداء ؛ [و](١) لكن كأنه عن إنكار كان منهم للرسالة ، فعند ذلك أقسم بقوله : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) وأكد بما أنكروا الرسالة بالقسم الذي ذكر ، فقال : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد.
قوله : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) كما أرسلناك (٢) إلى أمتك (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) كما زين لأمتك فهو كان وليهم يومئذ كما هو ولى لأمتك اليوم ، يصبّره.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) يقول ليس هؤلاء بأول من زيّن لهم الشيطان أعمالهم ، ولكن كان في الأمم الماضية من زين لهم الشيطان أعمالهم فيكذبون رسلهم ، فلست أنت بأول مكذّب ، بل كان لك شركاء في التكذيب (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) [قال بعضهم : هو وليهم اليوم](٣) في الدنيا ؛ لأن الدنيا هي دار الولاية بينهم ، كقوله : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [الجاثية : ١٩] وقوله : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) [البقرة : ٢٥٧] ، وأمّا في الآخرة فيصيرون أعداء ، كقوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧] وقوله : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ...) الآية [العنكبوت : ٢٥] ، [وقوله : (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) [ق : ٢٧] ونحوه ، ولا يحتمل أن يكونوا أولياء في الآخرة ثم يلعن بعضهم بعضا](٤) ويتبرأ بعضهم من بعض ، فذلك علامة العداوة.
وقال بعضهم : قوله : (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) في الآخرة ، أي : أولى بهم فيقرن بهم ، كقوله : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف : ٣٦] فهو وليهم : أي : صاحبهم ، كقوله : (احْشُرُوا ...) الآية ، وكقوله : (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) [ق : ٢٧] وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ).
قال بعضهم : قوله : (الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) : الكتب التي كانت من قبلهم ؛ لأنهم اختلفوا في كتبهم ، فمنهم من بدّل ، ومنهم من غير وحرّف ، فيقول ـ والله أعلم ـ : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي : في كتبهم ؛ لأن هذا الكتاب أنزله مصدقا لما بين يديه من الكتاب ، يبين هذا الكتاب ما اختلفوا في كتابهم ، الحق من الباطل.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : أرسلنا.
(٣) سقط في أ.
(٤) ما بين المعقوفين سقط في ب.