قال أبو بكر الأصم : يقولون : إنا على دين الله وعلى الحق لعبادتنا ، ويقولون : إن لهم الحسنى يعنون أنهم محسنون في أعمالهم ، وبما هم عليه من دين.
وقال بعضهم (١) : قوله : (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) يعنون البنين ، لأنهم كانوا يضيفون البنات إلى الله وينسبون البنين إلى أنفسهم ، فذلك الحسنى الذي ذكروا.
وقال بعضهم (٢) : بأن لهم الحسنى : أي : الجنة ؛ كقوله : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى ...) الآية [فصلت : ٥٠].
ثم كذبهم في قولهم فقال : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) ليس لهم الحسنى على ما زعموا ؛ ولكن النار ، وقد ذكرنا قوله : (لا جَرَمَ) فيما تقدم ، كان أهل الكفر فرقا ، منهم من ادعى الاشتراك في نعيم الآخرة كما كان لهم اشتراك في نعيم الدنيا ؛ كقوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) [الجاثية : ٢١] ومنهم من ادعى الآخرة لأنفسهم كما كانت لهم الدنيا ، فجائز أن يكون قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) هم الذين ادعوا الحسنى ـ وهي الجنة ـ لأنفسهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ).
هو من الفرط ؛ وهو : السبق والتقدم ، كأن الآية في الرؤساء [منهم](٣) ، أخبر أنهم سابقون أتباعهم إلى النار ، وهو كقوله : (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ) [الأعراف : ٣٩] الأولى هم المتبوعون ، وأخراهم الأتباع.
وقال بعضهم : معجلون إليها بين يدي أتباعهم.
وقال بعضهم (٤) : (مُفْرَطُونَ) أي : متروكون ، منسيون في النار.
وقال بعضهم (٥) : (مُفْرَطُونَ) مبعدون عن رحمة الله لكن هذين ليسا بتأويل البتة (٦) ، إذ كل من في النار [فهو](٧) منسي ، متروك فيها ، مبعد عن رحمة الله (٨).
وقال بعضهم : وأنهم مدخلون فيها.
والوجه فيه ما ذكرنا.
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير ، عنه (٢١٦٧٣) و (٢١٦٧٤) ، وعن قتادة (٢١٦٧٥) و (٢١٦٧٦).
(٢) ذكره البغوي (٣ / ٧٤) ونسبه ليمان.
(٣) سقط في أ.
(٤) قاله سعيد بن جبير ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٦٧٨) ، و (٢١٦٨٣) ، وعن مجاهد (٢١٦٨٤) ، و (٢١٦٨٥) ، والضحاك (٢١٦٨٦) ، وغيرهم ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٢٢٨).
(٥) قاله سعيد بن جبير أخرجه ابن جرير عنه (٢١٦٩٢).
(٦) في ب : الآية.
(٧) سقط في ب.
(٨) ثبت في حاشية ب : هذا التقليل لا يدفع كونهما ليسا بتأويل الآية ، فتأمل. كاتبه.