آباؤهم لم يولد الرسل والأنبياء ، فيكون هلاكهم لا بظلم هؤلاء ولكن بقطع النسل.
وإن كان المراد بتلك الدابة الدواب أنفسها فلأن الدواب إنما أنشئت للبشر ولمنافعهم ، فإذا أهلكت الدواب أهلك (١) المنشأ لهم ، والله أعلم.
وفي قوله : (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) دلالة [نقض](٢) قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : يجعل الله للخلق آجالا ، ثم يجيء كافر فيقتله دون بلوغ الأجل الذي جعله الله ؛ حيث أخبر أنهم لا يستأخرون [ساعة](٣) ـ بعد الأجل المضروب لهم ـ ولا يستقدمون قبل ذلك ، وهم يقولون : بل يستقدمه كافر فيقتله ، فذلك سرف في القول.
وهذا يخرج على وجهين :
أحدهما : لا يتأخر الأجل الذي جعل لهم ساعة ولا يتقدم عن ذلك.
والثاني : لا يجاب في التأخير ولا في التقديم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ).
كانوا يجعلون لله أشياء يكرهون ذلك لأنفسهم من نحو البنات ، يقولون : لله البنات ؛ ويكرهون لأنفسهم البنات ، ويجعلون له الشركاء من عبيده ؛ وهم كانوا يكرهون لأنفسهم الشركاء من عبيدهم ، وأمثاله ؛ كقوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ ...) الآية [الروم : ٢٨] يخبر ـ عزوجل ـ عن سفههم وسرفهم في القول ، ويخبر عن حلمه ؛ حيث لم يستأصلهم ولم يهلكهم مما قالوا في الله من عظيم القول من الولد والشريك ؛ لنعلم أنه لم يمهلهم لغفلة ولا سهو ولكن لحلم (٤) ؛ لأن يحلم الخلق في ذات الله ولا يعجلوا بالعقوبة ؛ إذ لو أراد إهلاكهم (٥) لأهلكهم ساعة قالوا ذلك ؛ ولا يمهلهم (٦) يعيشون ، لكن أخر ذلك ليوم ، وهو ما قال : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً ...) [إبراهيم : ٤٢] الآية.
وجائز أن يكون قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ) أي : يجعلون لأولياء الله مما يكرهون لأنفسهم ؛ لأنهم يقولون : إن لهم الحسنى في الآخرة ؛ وهي الجنة ، وإن للمؤمنين النار ؛ بقوله : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) [فصلت : ٥٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ).
__________________
(١) في ب : أهلكت.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : بحلم.
(٥) في ب : هلاكهم.
(٦) في ب : يهملون.