يصل إليه (١) ، ولكن يوعد بما توجبه الحكمة ، فدل أن الوعيد لازم واجب.
ونحن نقول : يوعد بما توجبه الحكمة ، وقد أمهلهم بعد الوعيد ، فعلى ذلك يجوز أن يخرجهم من النار بعد ما أدخلهم النار ؛ بما ارتكبوا من الكبائر.
ثم في قوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ...) الآية ـ دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : ليس لله أن يهلك قوما قد علم منهم الإيمان في وقت ، أو يكون في أصلابهم من يؤمن ؛ إذ قد كان ممن أوعد ذلك الوعيد من بعضهم الإيمان أو في أصلابهم من قد كان آمن ، فدل الوعيد لهم أنه قد يهلك من يعلم أنه يؤمن في آخر عمره ؛ إذ لا يوعد إلا بما له أن يفعل لكنه بفضله أخره إلى وقت [وفيه](٢) دلالة أن له أن يفعل بما ليس ذلك بأصلح لهم في الدين.
ثم اختلف في قوله : (بِظُلْمِهِمْ) : قال بعضهم : هذا للكفرة خاصة.
وقال بعضهم : لهم وللمؤمنين كل مرتكب زلة ؛ إذ ما من أحد ارتكب زلّة إلا وقد استوجب العقوبة بذلك والمؤاخذة به ، لكنه بفضله عفا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ).
قال بعضهم : أراد بالدابة : الدابة التي خلقها لهم ، إذا أهلك الناس فقد أهلك الدواب ؛ إذ خلقه إياها لهم.
وقال بعضهم : [قوله](٣) : ما ترك [عليها من دابة](٤) : أي : على ظهر الأرض من دابة ؛ لأن الدواب إنما تتعيش بالذي [يتعيش](٥) الناس ؛ فإذا هلكوا هم هلكت الدواب أيضا ؛ لما ذهب سبب عيشها. وجائز أن يكون أراد بالدابة البشر ؛ أي : ما تركهم بظلمهم ولكن يهلكهم ، وسماهم دابة لأنه إذا ذكرهم في موضع الظلم وإن كان سماهم في غير موضع بالأسماء الحسنة ، وهو كما سماهم في موضع آخر دابة ؛ حيث قال : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦] ولا شك أن البشر دخلوا في هذه التسمية ، فعلى ذلك جائز دخولهم في الأخرى ، وإن كان المراد مما (٦) ذكر من الدابة البشر فالأنبياء والرسل إنما يكون هلاكهم بقطع نسلهم ؛ لأن الأنبياء أكثرهم ولدوا من الآباء الظلمة ؛ فإذا أهلك
__________________
(١) في أ : عليه.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : على ظهرها.
(٥) في أ : إنما تعيش بالذي يعيش.
(٦) في ب : ما.