ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) من عبيدهم (فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) إذ يستوي المولى وعبده فيما ملكت يمينه ، يقول : فليس أحد منكم يرضى أن يكون عبده بمنزلته فيما يملك سواء ، فإذا رأيتم أنتم ذلك نقصا بكم لو فعلتم ، فكيف زعمتم أن الله أشرك بينه وبين أحجار حتى أشركتم ما ملككم الله بينه وبين الأوثان في العبادة وفيما آتاكم من رزق ، فقلتم : هذا لله ، وهذا لشركائنا (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) يقول أنعم الله عليهم بأنفسهم وأرزاقهم وأموالهم وأولادهم ، فأشركوا غير الله فيها ، وجحدوا نعمة الله عليهم [بها عصوا](١) ، وبها كفروا ، ثم ألزمهم النظر في الفضل الذي ذكر أنه فضل بعضهم على بعض إلى عين الفضل الذي كان من الله ، لا إلى الأسباب التي اكتسبوها ، ليعلموا أنهم لم ينالوا تلك الفضائل باستحقاق منهم ، ولكن إنما نالوا (٢) بفضل منه ورحمة ، فيكون ذلك دليلا لهم فيما أنكروا من أفضال الله ، واختصاصه بعضهم بالرسالة والنبوة ، وإن كانوا جميعا من بشر ، ومن جنس واحد على ما فضل بعضهم على بعض في الرزق ، والسعة ، والملك ، والحرية والسلطان ، وإن كانوا جميعا في الجنس واحد ، فإذا لم تنكروا هذا النوع من الفضل والاختصاص لبعض على بعض ، فكيف أنكرتم ذلك الفضل والاختصاص بالرسالة من فضله ورحمته ، فلذلك قال ـ والله أعلم ـ : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [الزخرف : ٣٢] أخبر أنه برحمته وفضله ينال ما ينال من الرسالة وغيرها ، لا بالاستحقاق والاستيجاب كان منهم ، أو أن يذكر سفههم بأنهم يأنفون أن يشركوا عبيدهم ومماليكهم في ملكهم وأموالهم ولهم بهم (٣) منافع من الخدمة والإعانة في الأمور ، فما بالهم يشركون أحجارا وخشبا ، لا منفعة لأحد منهما (٤) في ألوهية الله وربوبيته وفي عبادته : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) على تأويل النبوة أبفضل الله وبرحمته يجحدون أنه لا يفضل بعضا على بعض بالرسالة ، أو يجحدون ما آتاهم الله من النعم ، فيصرفون نعمه (٥) إلى غيره ، وهي الأصنام التي عبدوها ، فقالوا : هذا لشركائنا ، أو يصرفون شكر نعمه إلى غيره ، وهي الأوثان التي عبدوها ، والله أعلم.
وقوله : ـ عزوجل ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : قالوا.
(٣) في ب : منهم.
(٤) في أ : منها.
(٥) في ب : نعمته.